كشفت مصادر إعلامية أن النقاش حول القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة عاد إلى الواجهة داخل قبة البرلمان، بعدما أجمعت أصوات من الأغلبية والمعارضة على ضرورة مراجعته، في ظل الغلاء المتواصل وشبهات التواطؤ التي باتت تتخفّى وراء شعار “حرية السوق”.

غير أن ما يثير الاستغراب هو أن هذا النقاش ظل يتكرر لسنوات دون أن يترجم إلى إصلاح ملموس، مما يجعل السؤال مشروعًا: هل نحن أمام نقاش جدي أم مجرد توزيع للأدوار السياسية؟

وحسب ما رُوي من داخل البرلمان، فإن الفريق الاستقلالي للفريق النيابي، عبر لسان علال العمراوي، أكد أن النص “ليس قرآنًا منزلاً” وأنه قابل للتعديل، مشددًا على أن المغرب لا يمكنه التراجع عن خيار حرية السوق، لكنه بحاجة إلى ضبط التوازن وضمان الحماية للمستهلك.

وفي المقابل، اعتبر إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، أن النصوص الحالية فضفاضة وغير مُفعّلة، وأن مجلس المنافسة غاب عن أدواره الاستباقية في مواجهة الاحتكار.

لكن المتتبع للشأن السياسي لا يمكنه إلا أن يتساءل: إذا كان نواب المعارضة والأغلبية متفقين على تشخيص الداء، فما الذي يمنعهم من المبادرة إلى علاج حقيقي؟ أليست هذه المؤسسة التشريعية التي يشتكون داخلها هي نفسها التي تملك حق تعديل النصوص وإقرار القوانين؟

النقد هنا لا يطال الحكومة وحدها، وإن كانت تتحمل مسؤولية كبرى في غياب رؤية واضحة لحماية القدرة الشرائية، بل يطال أيضًا المعارضة التي تُجيد الخطابة تحت القبة، لكنها نادرًا ما تُترجم اعتراضاتها إلى مبادرات تشريعية حقيقية.

إن تكرار الخطاب دون أفعال ملموسة يجعل المواطن أمام مشهد سياسي مرتبك: حكومة تبرر، ومعارضة تُندد، لكن الأسعار تواصل صعودها بلا سقف.

المرحلة تقتضي اليوم شجاعة سياسية لا تقف عند حدود تعديل النصوص، بل تتجاوزها إلى تفعيل الردع، وتمكين المؤسسات الدستورية من أدوارها الكاملة في مراقبة السوق، وكشف التواطؤ، ومحاسبة من يستغل هشاشة المواطنين.

فحرية السوق لا تعني حرية التلاعب بالأسعار ولا حرية تضخيم الأرباح، بل تعني منافسة نزيهة تحمي المستهلك وتضمن التوازن بين الربح المشروع والمصلحة العامة.

وبين نصوص غامضة تتطلب التعديل، وإرادات سياسية تبدو غائبة أو مترددة، يظل المواطن الحلقة الأضعف في معادلة لا تحميه بما يكفي من تقلبات الأسعار، فيما يكتفي السياسيون بتجديد خطاباتهم مع كل موجة غلاء جديدة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version