دفعت الحملات الأمنية المكثفة التي استهدفت الدراجات النارية بشوارع المغرب إلى ردود فعل غاضبة في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دعا بعض السائقين إلى إبقاء دراجاتهم داخل المنازل كخطوة احتجاجية رمزية.

وبرأيهم، فإن الأمر لا يتعلق بمجرد “صرامة مبالغ فيها”، بل بمسألة أعمق ترتبط بمكانة هذه الوسيلة في الاقتصاد اليومي، باعتبارها تساهم في تنشيط سوق المحروقات، شركات التأمين، وحتى مداخيل الضرائب.

غير أن هذه الموجة من السخط الشعبي، وإن بدت موجهة نحو المراقبة الأمنية، تخفي إشكالية أكثر تعقيدًا: كيف دخلت هذه الدراجات إلى السوق المغربية أصلاً؟ كثير منها يُطرح للبيع بعد أن خضع لتعديلات تقنية غير قانونية تمس المحرك وتغيّر مواصفاته الأصلية، وهو ما يؤثر مباشرة على السلامة الميكانيكية، دون أن يكون المشتري على دراية بذلك.

وهنا يبرز الخلل الأكبر: غياب رقابة صارمة عند باب الاستيراد والإدخال إلى السوق، حيث ينبغي أن تتم معاينة نوعية المحرك ومطابقته للقوانين قبل أن يجد طريقه إلى المستهلك.

وبينما تعتبر الحملة الأمنية خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، فإن التحدي الحقيقي يظل في تنزيل قانون رخصة السياقة الخاص بالدراجات النارية، الذي يحدد سن السياقة في 14 سنة كحد أدنى، مع إلزام السائقين بالتكوين واحترام معايير السلامة. دون هذا الإطار القانوني الواضح، ستظل المراقبة في الشارع معالجة للنتائج لا للأسباب.

الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا) أعلنت بدورها عن إجراءات أكثر صرامة، مؤكدة أن أي دراجة نارية يتجاوز محركها سرعة 58 كيلومترًا في الساعة تُعتبر معدلة بشكل غير قانوني، ليتم حجزها وإحالة ملفها على النيابة العامة، مع إلزام مالكها بالإصلاح وإعادة المصادقة قبل الاسترجاع.

هذه المستجدات تكشف أن الملف لم يعد يختزل في مجرد حضور أمني بالشارع، بل أصبح ورشًا متكاملًا يمس الاقتصاد والتقنية والتشريع.

ومع ذلك، تبقى النقطة الجوهرية أن المعركة الحقيقية تبدأ من لحظة دخول هذه الدراجات إلى السوق: فالتأكد من سلامة المحرك واحترامه للمواصفات ينبغي أن يكون شرطًا مسبقًا للبيع، لا عبئًا لاحقًا على المواطن أو رجل الأمن.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version