أصدر رئيس الحكومة عزيز أخنوش، صباح اليوم الخميس، قرارًا بتعليق الحملة الخاصة بمراقبة الدراجات النارية، بعدما تحولت الدورية الأخيرة للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية إلى كرة لهب أشعلت غضب الشارع وخلقت جدلاً قانونياً لا يهدأ.
تعليمات رئيس الحكومة وُجهت مباشرة إلى وزير النقل واللوجيستيك عبد الصمد قيوح، الذي سيتكلف بتوقيف الإجراءات المثيرة للجدل ومنح مهلة انتقالية مدتها 12 شهرًا، من أجل تمكين السائقين من “التأقلم” مع الإطار القانوني الجديد.
غير أن السؤال الذي يفرض نفسه: لماذا 12 شهرًا بالضبط؟ ولماذا الآن، والبلاد على أبواب استحقاقات انتخابية قد تعيد رسم الخريطة السياسية؟
كشفت مصادر إعلامية أن الحكومة تعتزم استغلال هذه الفترة لإطلاق حملات توعوية حول مخاطر التعديلات غير القانونية على محركات الدراجات، مبرزة أن الهدف هو حماية السلامة الطرقية. لكن في العمق، يقرأ متتبعون الخطوة باعتبارها “تأجيلاً محسوبًا”، يروم تخفيف الضغط عن الحكومة وإبعادها عن مواجهة مباشرة مع شريحة واسعة من الشباب، يشكلون قاعدة انتخابية حساسة لا يُستهان بها. فالقرار يبدو وكأنه محاولة لشراء الوقت، أكثر مما هو سعي لحماية الأرواح.
غير أن الخيط الرفيع الذي لم تلتفت إليه الحكومة، أو ربما تعمدت التغطية عليه، يتعلق بصفقة الأجهزة التقنية التي استُقدمت لقياس سرعة الدراجات النارية.
فمن أين جاءت هذه “الماكينات”؟ ومن وقّع على الصفقة؟ وهل مرت عبر مسطرة شفافة تحترم قواعد المنافسة والصفقات العمومية، أم أن القصة تُخفي شبكة مصالح بين مقاولات مورّدة وأطراف متنفذة في الإدارة؟ هذا السؤال يظل معلقًا، في غياب أي بلاغ رسمي يكشف للرأي العام الكلفة المالية الحقيقية لهذه التجهيزات، وطبيعة المساطر التي رافقت استيرادها.
في المقابل، يعتبر خبراء قانون أن القرار الأولي كان يفتقر أصلًا إلى السند التشريعي، إذ لا يمكن لدورية إدارية أن تُلزم المواطن بإجراءات لم ينص عليها القانون بشكل صريح.
لذلك جاء التراجع خطوة اضطرارية أكثر مما هو “تجاوب سياسي”، خصوصًا بعدما بدأ الجدل يلامس الدستور ومبدأ الشرعية.
الشارع اليوم يقرأ التعليق على أنه مجرد استراحة انتخابية، أكثر مما هو إصلاح مؤسساتي. فالسلطة التنفيذية اختارت أن “تُهدئ” الأجواء عبر تعليق قرار يهدد شعبيتها، في انتظار أن تمر عاصفة الاستحقاقات المقبلة.
لكن السؤال سيبقى مطروحًا: هل كان الهدف فعلاً حماية المواطنين من مخاطر الدراجات المسرّعة، أم أن القضية اختزلت في صفقة مربحة أُبرمت باسم السلامة الطرقية وانتهت بقرار سياسي ظرفي؟