في وقت تُحجز فيه دراجات بسيطة لمجرد تجاوزها سرعة 57 كيلومترًا في الساعة، تمرّ صفقات بالملايين نحو مؤسسات عمومية دون أن تخضع لأي رادار للمراقبة أو المساءلة.
كشفت مصادر إعلامية أن الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (نارسا) اقتنت أواخر أكتوبر 2024 ما مجموعه 18 جهازًا لقياس سرعة الدراجات النارية، في صفقة بلغت قيمتها أزيد من 1.1 مليون درهم، أي ما يعادل حوالي 60 ألف درهم للجهاز الواحد.
وتفيد الوثائق أن الصفقة فازت بها شركة “جيريوم”، رغم أن القيمة التقديرية التي حددها صاحب المشروع لم تكن تتجاوز 1.017.600 درهم شاملة للرسوم، مقسّمة بين المعدات والصيانة.
الأجهزة، بحسب دفتر التحملات، عبارة عن منصات اختبار متنقلة مزودة ببكرات وشاشة رقمية، مخصصة لقياس السرعة القصوى للدراجات الصغيرة (أقل من 50 سم³)، وتتوفر على خصائص تقنية دقيقة تشمل مقاومة الحرارة والغبار، واستقلالية بطارية تصل إلى 10 ساعات.
لكن المفارقة أن نفس الأجهزة التي شُرّعت لمراقبة “تعديل السرعة”، وُضعت فجأة موضع تساؤل بعد اندلاع احتجاجات شعبية واسعة، إثر مذكرة صادرة عن “نارسا” تُصنّف أي دراجة تتجاوز 57 كم/س كـ”معدّلة بطريقة غير قانونية”، ما يعرّضها للحجز الفوري.
الاحتقان في الشارع دفع رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى التدخل، حيث طلب من وزير النقل، عبد الصمد قيوح، تعليق العمل بالمذكرة ومنح مهلة لمالكي الدراجات لتسوية وضعيتهم القانونية.
ورغم هذا التراجع، بقيت الأسئلة الجوهرية معلقة: ما مدى أولوية هذه الأجهزة داخل سياق اجتماعي مأزوم؟ وما مبرر هذا الثمن المرتفع؟ وهل تم احترام قواعد المنافسة والتدبير المعقلن للمال العام؟
تقول نارسا إن الغرض من الصفقة هو تعزيز السلامة الطرقية. لكن خصوم هذا التوجه يرون أن السلامة تبدأ من إصلاح الطرق، وتكوين السائقين، وتفعيل الرادارات الثابتة، لا بمطاردة شباب الدراجات بمنصات إلكترونية كلّفَت ميزانية عامة ما لا يُقاس.
في المقابل، يُطرح سؤال شائك:
إذا كانت الدراجة تُحجز بافتراض “التعديل”، فكيف تمرّ صفقة عمومية بافتراض “الشرعية” دون أن يُفعَّل ضدها أي رادار مالي أو محاسباتي؟
وهل تملك الد
الحكومة فعلاً أجهزة لرصد الانحراف في التوريد العمومي كما تملك أجهزة لقياس انحراف سرعة الدراوش؟