عبر تدوينة مثيرة للجدل على صفحته الفايسبوكية، اختار عبد اللطيف سودو، النائب البرلماني السابق والفاعل السياسي البارز، أن يوجّه سهام نقده اللاذع نحو المشهد الإعلامي والسياسي والاقتصادي بالمغرب.
بكلمات قليلة ومشحونة بالرمزية، قال: “من سوء الأدب أن تتحدث وأنت تأكل.. لذلك لا يمكن انتقاد الحكومة الحالية من طرف أشباه الصحافيين كما كانوا يفعلون من قبل.. وهم يتوصلون بالسكاتة”.

هذا التشبيه، وإن بدا بسيطًا، إلا أنه يحمل دلالات عميقة. فـ“الأكل” هنا ليس مجرد طعام، بل امتيازات ومصالح تحول الصحافة من سلطة رابعة مستقلة إلى أداة صامتة.
الإعلام الذي كان يُفترض أن يكون حارسًا للنقاش العمومي ومراقبًا لأداء الحكومة، صار، وفق تعبير سودو، يتلقى “سكّاتة” تجعله عاجزًا عن رفع صوته أو القيام بدوره الطبيعي في مساءلة السلطة.

ولم يتوقف نقد سودو عند الإعلام فقط، بل امتد إلى الأحزاب السياسية، واصفًا إياها بـ“المنخورة”، في إشارة واضحة إلى أعطاب بنيوية تضعف دورها التأطيري والاقتراحي.
أحزاب لم تعد تعكس نبض الشارع ولا تطلعات الناخبين، بقدر ما تحولت إلى كيانات انتخابية موسمية، تستهلك الشعارات دون أن تنتج بدائل واقعية.

أما في الجانب الاقتصادي، فقد لجأ سودو إلى وصف لاذع آخر حين تحدث عن “اقتصاد الفراقشية”. وهي عبارة تختزل واقع اقتصاد يميل نحو المضاربة والريع والربح السريع، على حساب الإنتاج والاستثمار المنتج.
اقتصاد يخلق ثروات ظرفية في يد قلة، بينما يترك قاعدة عريضة من المواطنين في مواجهة الغلاء والهشاشة.

هذا الثلاثي القاتم ـ إعلام مؤجور، أحزاب منخورة، واقتصاد الفراقشية ـ يرسم صورة مقلقة عن توازنات المشهد الوطني. فهو يعكس، وفق تحليل سياسي، اختلالاً في الوظائف الأساسية للدولة والمجتمع: الإعلام بدل أن يكون سلطة مضادة صار أداة لتبرير السياسات؛ الأحزاب بدل أن تكون مدارس للتكوين والمنافسة صارت قوالب خاوية؛ والاقتصاد بدل أن يكون محركًا للتنمية أصبح رهينة للريع والمضاربة.

إن دلالة هذا الكلام تتجاوز البعد الانفعالي، لتفتح الباب على أسئلة عميقة: ما الذي تبقى من وظيفة النقد؟ من يحمي استقلالية الإعلام؟ كيف يمكن إنقاذ الحياة الحزبية من الانهيار التدريجي؟ ومن يضع حدًا لاقتصاد الريع؟ إنها أسئلة كبرى تبقى عالقة في ظل صمت جماعي يكرّس مزيدًا من التباعد بين الدولة والمجتمع.

تصريح سودو، وإن جاء عبر تدوينة فايسبوكية، يعكس في العمق أزمة سياسية مركبة، حيث يلتقي المال بالسلطة، وتُصادر حرية الكلمة تحت غطاء الامتيازات، ويُترك الاقتصاد رهينة لتوازنات هشة. وفي غياب يقظة نقدية حقيقية، سيبقى “الأكل” رمزًا للامتياز، و“السكّاتة” عنوانًا للمرحلة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version