في المغرب، الأرقام لا تسير وحدها، ولا القروض تسقط من السماء.
كل مشروع يُسوَّق كـ”حلم وطني”، وراءه وزير يعرف كيف يشتغل في صمت، يتخفّى وراء الشعارات، لكنه يمسك بالقلم الذي يوقّع العقود ويعيد صياغة الأولويات.
رجل الظل، هنا، ليس صورة في الإعلام ولا شعارًا انتخابيًا، بل هو العرّاب الذي يوزع الأرقام على كراسات البنك، ويرهن مستقبل بلد باسم التنمية.
كشفت مصادر إعلامية متطابقة أن الدين العمومي المغربي بلغ مستويات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، متأثرًا بسلسلة من المشاريع الكبرى: من كأس العالم 2030 إلى محطات الطاقات المتجددة، مرورًا بالطرق السيارة والموانئ وخطوط القطارات.
مشاريع تُقدَّم على أنها قاطرة للتنمية ومفتاح لجلب الاستثمار الأجنبي، لكنها في العمق تتحول إلى سندات دين جديدة، تزيد من ثقل الميزانية وتضع الاقتصاد الوطني تحت رحمة الأسواق المالية الدولية.
وزير الظل يعرف اللعبة جيدًا: يقدّم المشروع في صورة إنجاز تاريخي، يفتح باب الاحتفالات، ثم يترك الأرقام الحمراء تشتغل في الخلفية.
كلفة الدين تُوزع على عشرات السنين، والفوائد تتضخم، بينما المواطن لا يرى من “المشروع الوطني” سوى لافتة كبيرة على مدخل الورش أو صورة في التلفزيون.
المثال الأبرز هو مونديال 2030.
يُسوّق له كفرصة ذهبية لجعل المغرب على خريطة العالم، لكنه يشبه عرسًا فخمًا ينتهي بفاتورة مطلقة.
الملاعب الجديدة، البنية التحتية، الفنادق، والطرق… كلها تحتاج إلى تمويلات ضخمة، تُغطى أساسًا بالقروض.
وفي الوقت الذي يصفق فيه الإعلام الرسمي لـ”المشروع الجامع”، تبقى الحقيقة في دفاتر وزارة المالية: أرقام حمراء تتزايد، وفوائد تُضاف، والتزامات تمتد إلى ما بعد 2040.
كل قرض يعني جلسة جديدة مع البنك الدولي أو صندوق النقد أو مؤسسات مالية آسيوية وأوروبية.
وفي كل مرة، تُقدَّم السيادة الوطنية في طبق من التنازلات: سياسات تقشفية، شروط إصلاحية، وتوجيهات خارجية تُلبس لبوس “الإصلاح”.
وهنا يظهر دور رجل الظل: لا يتحدث كثيرًا عن القروض، لكنه يرسم خطوط السياسة الاقتصادية بما يضمن بقاء المغرب في موقع “الزبون الموثوق”، حتى لو كان الثمن رهن القرار الوطني لسنوات طويلة.
الديون ليست مجرد وسيلة تمويل، بل أصبحت أداة سياسية بامتياز.
عبرها يُعاد توزيع النفوذ: من يوقّع العقود يفتح أبواب المقاولات المقرّبة، ومن يتحكم في مسار الدين يتحكم في مسار التنمية.
رجل الظل يعرف أن التحكم في المال العمومي لا يكون فقط عبر الضرائب والميزانية، بل أيضًا عبر الديون التي تُرسم على المدى الطويل.
هكذا يصبح كل قرض خيطًا جديدًا في شبكة المصالح التي تجمع بين السياسة والمال، وتجعل من الوزير رجلًا فوق الوزراء.
بين خطاب التنمية وواقع الاستدانة، يظل المغاربة عالقين في معادلة صعبة: مشاريع عملاقة تُعلن كل سنة، لكن الخدمات الاجتماعية (صحة، تعليم، شغل) تظل تراوح مكانها.
والنتيجة أن المواطن يعيش تحت ضغط الأسعار والضرائب، بينما “المستقبل” يُرهن لأجيال لم تولد بعد.
رجل الظل، الوزير الذي لا يصرخ ولا يظهر كثيرًا، هو الذي يتلهّى بهذا الملف.
يمسك بالأرقام، يوازن بين إرضاء الخارج وتأمين الداخل، ويرسم مستقبلًا بسرعتين: سرعة الملاعب الفخمة والمشاريع العملاقة، وسرعة المواطن الذي يزداد ثقل الدين على كتفيه دون أن يلمس حقيقته.
من يدفع ثمن الحلم؟ ومن يربح من الفاتورة؟