كشفت مصادر إعلامية أن تقارير داخلية وُصفت بـ”النوعية”، رفعتها أقسام الشؤون الداخلية بعدد من العمالات إلى الإدارة المركزية بالرباط، وضعت الأصبع على جرح قديم: منتخبون كبار يحوّلون المال العمومي إلى أداة لشراء الصمت والولاء، عبر تعويضات وهمية، حجوزات فندقية، وسيارات كراء تُستعمل كغطاء لتدبير الريع السياسي.
التقارير، التي همّت مجالس جهوية وإقليمية ومحلية في جهات الدار البيضاء–سطات، مراكش–آسفي، بني ملال–خنيفرة وفاس–مكناس، رصدت تفاصيل مثيرة حول كيفيّة صرف تعويضات صورية وتضخيم فواتير فنادق وسيارات قصد استمالة مستشارين للتصويت على مشاريع بمليارات الدراهم. مشاريع يفترض أنها تمس حياة المواطنين، لكنها تحوّلت إلى أوراق في لعبة مساومات داخل دورات استثنائية.
كشفت مصادر إعلامية أن المعطيات الواردة تضمّنت تورط أعضاء من مختلف المستويات: برلمانيون، رؤساء جماعات، وأرباب مقاولات يملكون أرصدة وعقارات، لكنهم لم يجدوا حرجاً في قبض تعويضات غير مستحقة تراوحت بين عشرة وعشرين ألف درهم شهرياً، مقابل “مهام” لا وجود لها إلا في الورق.
المصادر نفسها أوضحت أن الداخلية تستعد لإيفاد لجان تفتيش مركزية قصد إخضاع هذه المجالس لافتحاص دقيق قبل جلسات الحساب الإداري، مع إحالة ملفات محددة على القضاء. لكن السؤال يظل مطروحاً: هل سيتحول الملف إلى محطة محاسبة حقيقية أم إلى فصل آخر من فصول “الطيّ السياسي”؟
هذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها تقارير تفتيش عن فضائح التعويضات. المفتشية العامة للمالية سبق أن وقفت على نفس السيناريو في جماعات أخرى: فواتير مضخّمة للفنادق والطعامة والحفلات والأيام الدراسية، وكأن التنمية لا تُقاس بالمدارس والمستوصفات بل بعدد الغرف المحجوزة في فنادق خمس نجوم.
الأدهى أن بعض المنتخبين المتورطين في هذه الممارسات هم أنفسهم الذين يتهربون من أداء الضرائب لفائدة الجماعات التي يمثلونها. المفارقة هنا صادمة: منتخب يقرر في ميزانية جماعته، ويستفيد من تعويضات على الورق، وفي الوقت نفسه يرفض أداء ما بذمته من ضرائب محلية.
اليوم، أمام وزارة الداخلية خياران لا ثالث لهما: إما أن تكسر حلقة الريع الانتخابي وتُحيل الملفات على القضاء فعلاً، أو أن تتحول التقارير الجديدة إلى مجرد أوراق إضافية في أرشيف فضائح بدون محاسبة.
أما المواطن، الذي يؤدي فواتيره كل شهر، فسيبقى يتساءل: لمن تُصرف هذه الملايين؟ ولماذا تُشترى الولاءات من جيبه؟