كشفت مصادر إعلامية أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية فتحت دفاترها القديمة على إيقاع افتحاص غير مسبوق، يستهدف نحو 150 صفقة عمومية، بميزانية ضخمة تصل قيمتها إلى 461 مليون درهم للصفقة الواحدة.
لكن المفارقة الصارخة تكمن في أن عملية “التفتيش” نفسها تحوّلت إلى صفقة جديدة، بفاتورة تقديرية بلغت 4.8 مليون درهم، ستُمنح لمكتب استشاري دولي كي يفتّش الوزارة على إنفاقها.
العملية، التي ستنطلق رسمياً يوم 6 أكتوبر المقبل، ستشمل الإدارة المركزية، ومديريات التجهيز والصيانة والتزويد بالأدوية، فضلاً عن المديريات الجهوية عبر مختلف جهات المملكة. والغاية المعلنة: تقييم مدى احترام القانون، وضمان أن المشاريع التي صرفت عليها الملايير قد رأت النور على أرض الواقع.
لكن السؤال الجوهري: هل نحن أمام افتحاص يفضي إلى محاسبة حقيقية، أم مجرد تمرين إداري آخر يُنتج تقارير أنيقة تُصفف في الرفوف؟
المعطيات تؤكد أن المكتب المنتدب سيعمل وفق ثلاث مراحل دقيقة، من إعداد الصفقات وإبرامها، مروراً بتتبع تنفيذها، وصولاً إلى مرحلة التصفية النهائية. وسيتوجب عليه إعداد تقارير ورقية ورقمية بالعشرات، كلها ستكون ملكاً حصرياً للوزارة نفسها. وكأننا ندور في دائرة مغلقة: الوزارة تفتش نفسها، وتحتفظ بتقارير التفتيش لنفسها.
من زاوية أخرى، تبدو العملية بمثابة اعتراف غير مباشر بأن تدبير الصفقات الصحية كان معطوباً لسنوات، وإلا ما الحاجة إلى افتحاص بهذا الحجم؟ وكيف يمكن تبرير صرف 4.8 مليون درهم على مكتب استشاري أجنبي في وقت مازالت المستشفيات تعاني خصاصاً في الأدوية والمستلزمات الأساسية؟
إنها لحظة تضع المال العام في مرمى الأسئلة: أيهما أولى، شراء ثقة المواطن عبر تحسين الخدمة الصحية، أم شراء تقارير استشارية لتلميع صورة التدبير؟