كشفت مصادر إعلامية أن الحكومة تستعد، مع أول اجتماعاتها بعد العطلة الصيفية، لتمرير مشروع مرسوم جديد يرفع نسبة “رسم التضامن ضد الوقائع الكارثية” من 1 في المائة إلى 1,5 في المائة على عقود التأمين.

الخطوة، التي تأتي بتوقيع وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، تُبرَّر بارتفاع تكلفة إعادة التأمين الدولي بعد زلزال الحوز، لكنها تثير في العمق سؤالاً مؤرقاً: هل التضامن يُبنى على روح جماعية أم على اقتطاعات إضافية من جيوب المواطنين؟

المرسوم، في صيغته التقنية، يبدو مجرد تعديل رقمي، لكن خلف الأرقام تختبئ معادلة سياسية واقتصادية دقيقة.

فمن جهة، تعترف المذكرة التقديمية بأن السوق الدولية لإعادة التأمين رفعت كلفة تغطية الزلازل بما يقارب 100 في المائة، وهو ما أثقل كاهل صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية.

ومن جهة أخرى، تختار الحكومة أن تُحوِّل العبء مباشرة إلى المؤمنين، أي عموم المواطنين والشركات، عبر زيادة الرسم شبه الضريبي.

هذا المنطق يعكس مقاربة مألوفة في المالية العمومية: مواجهة الأزمات عبر توسيع الوعاء الجبائي لا عبر البحث عن مصادر مبتكرة للتمويل.

فبينما تُصرف مليارات الدراهم في مشاريع ظرفية، يجد المواطن نفسه مطالباً بتأمين إضافي على المخاطر التي يُفترض أن تتحمل الدولة جزءاً معتبراً منها باعتبارها مسؤولية سيادية.

المفارقة تكمن في الاسم ذاته: “رسم التضامن”.

فالتسمية توحي بالعدالة والإنصاف، لكن الواقع يُظهر أن التضامن هنا يتحول إلى ضريبة غير مباشرة، لا تفرّق بين من يملك إمكانات واسعة ومن يجرّ وراءه أقساط تأمين بالكاد يستطيع دفعها.

إنها صيغة جديدة لما يمكن وصفه بـ “التضامن بالمقلوب”: الدولة تُخفف عن نفسها الأعباء المالية، بينما المواطن يُثقل بتكاليف إضافية تحت شعار الكوارث.

الأكيد أن زلزال الحوز كشف هشاشة البنيات والقدرات المالية في مواجهة الكوارث الطبيعية، لكنه كشف أيضاً محدودية التفكير الاستراتيجي في بناء صناديق سيادية قوية ومرنة.

فالرهان لا ينبغي أن يكون على رفع نسبة الرسم فقط، بل على مراجعة شاملة لمنظومة التمويل، بما يضمن عدالة التوزيع ويمنع تحويل الكوارث إلى مبرر دائم لرفع الضرائب.

بين حسابات الخزينة وضغط السوق الدولية، يقف المواطن مجدداً في الواجهة، لا كمستفيد من صندوق التضامن، بل كممول صامت له.

وهنا يطرح السؤال النخبوي الحاد: هل نحن أمام سياسة للتأمين على المخاطر، أم أمام سياسة لتأمين الدولة ضد مسؤولياتها المالية؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version