عاد النقاش من جديد داخل الحياة السياسية المغربية حول مطلب بعض الأحزاب بزيادة عدد مقاعد البرلمان. الشعارات المرفوعة تبدو براقة: توسيع قاعدة التمثيلية، إدماج الشباب، تمكين النساء والجالية. غير أن السؤال الجوهري يظل قائماً: هل أزمة المغرب في عدد المقاعد أم في جدية من يشغلونها؟.
المغاربة يرزحون تحت ضغط غلاء معيشة خانق، ووطأة جفاف يهدد القرى والفلاحة، وأقاليم منسية لا تجد ماءً صالحاً للشرب ولا مستشفيات قادرة على استقبال أبنائها. فهل من المنطقي أن تُصرف الملايير على كراسي إضافية بينما الكراسي الحالية فارغة في أغلب الجلسات؟.
القاعة تكشف الحقيقة الصادمة: مقاعد خاوية وجلسات تُعقد أمام صفوف نصف ممتلئة. ومع ذلك تُصرف أجور وتعويضات سخية بلا ربط بالأداء.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من قاعدة بسيطة: الأجر مقابل العمل. أي نائب يتغيب دون مبرر يُخصم من راتبه ويُعلن اسمه للعموم. الإصلاح لا يبدأ بزيادة المقاعد بل بربط المسؤولية بالمحاسبة.
بدل الزيادة الأولى هو تقليص الامتيازات: سيارات فارهة، معاشات مريحة، تعويضات بلا سقف. المنصب النيابي يجب أن يكون خدمة عامة لا امتيازاً طبقياً. مقابل رمزي يكفي لحفظ الاستقلالية لا رفاهية تُمارس على حساب الشعب.
الأدهى أن عدداً غير قليل من البرلمانيين متابعون في ملفات قضائية أو صدرت في حقهم أحكام بالسجن مرتبطة بالفساد أو تبديد المال العام.
بأي حق يُفتح نقاش حول الزيادة بينما بعض المقاعد الحالية مثقلة بأصحابها أمام المحاكم؟. أي صورة تُقدَّم للمغاربة حين يتحول ممثلوهم إلى متهمين؟.
المغرب مقبل على تحديات جسيمة مرتبطة بتنظيم كأس العالم 2030 بميزانيات ضخمة في الملاعب والبنيات التحتية. الحكومة ووزارة المالية ومعها فوزي لقجع وعدوا المغاربة بأن الاقتصاد سيتحسن بعد هذا الحدث. أليس الأجدر إذن تأجيل أي نقاش حول الزيادات إلى ما بعد المونديال؟. التقشف يبدأ من فوق حتى يصدقه الناس في الأسفل.
المواطن الذي يقطع المسافات لجلب دلو ماء لا يرى في الزيادة سوى عبئاً إضافياً على الخزينة. الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة الاعتبار لقيمة العمل البرلماني: محاسبة الغائبين، خفض الرواتب، تقليص الامتيازات، وإبعاد كل من يلاحقه القضاء عن الترشح. هكذا فقط تُستعاد الثقة المفقودة بين المواطن ومؤسساته.