كل دخول مدرسي بالمغرب يكشف نفس الصورة المكرورة: أقسام تُفتَح، لوازم تُشترى، وأسر تُثقل بالفواتير. لكن خلف هذه الصورة المألوفة تختبئ مفارقة أعمق: التعليم الخصوصي الذي يُفترض أنه يكمّل المنظومة التربوية، صار مرآة مكسورة تعكس التفاوت بدل أن تصلحه.

الأسر تجد نفسها في مواجهة معادلة غير عادلة: رسوم تسجيل متصاعدة، كتب تُفرض من مكتبة واحدة، عقود تأمين غامضة بلا تفاصيل واضحة عن التغطية، وكل ذلك داخل فضاء يُفترض أن يكون للتربية لا للتجارة.

السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل نحن أمام مدرسة أم أمام شركة لها زبناء لا تلاميذ؟

الخيط الأخطر أن عدداً من هذه المؤسسات يملكه برلمانيون أو نافذون في المشهد السياسي، ما يجعل المسألة أبعد من مجرد “سوء تدبير”.

إنها شبكة مصالح محمية بالسلطة، حيث يتحوّل الفصل الدراسي إلى رقم في دفتر الشيكات، ويغدو الحق الدستوري في التعليم مجرد شعار يُردَّد في الخطابات الرسمية.

الدستور المغربي واضح في ضمان الحق في التعلم، كما أن قوانين حماية المستهلك تجرّم الاحتكار والربط القسري، لكن الواقع يكشف عن ثغرة عميقة: النصوص القانونية معلّقة في الرفوف، بينما الأسر تدفع الثمن نقداً كل دخول مدرسي.

وإذا كان التأمين وسيلة للحماية، فقد تحوّل هنا إلى أداة استنزاف مالي. وإذا كان الكتاب المدرسي حقاً عاماً، فقد أصبح سلعة تُباع في أسواق مغلقة.

النتيجة أن المواطن المغربي يُترك عارياً أمام مقصلة المصاريف، بلا جهة تحميه أو تضمن له شفافية الحد الأدنى.

ويبقى السؤال مُعلّقاً في سقف كل قسم: من يقرأ نص الدستور داخل المدرسة؟ من يحمي الأسرة من دفتر الشيكات الذي يتحكّم في مصير التلميذ؟ وهل يظل التعليم في المغرب مصعداً اجتماعياً نحو المساواة، أم يتحوّل نهائياً إلى امتياز طبقي يوزَّع حسب القدرة على الدفع؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version