حين اعتلت نبيلة الرميلي منصة مجلس جماعة الدار البيضاء لتعرض تفاصيل مشروع “المحج الملكي”، لم تتردد في مقارنته بفضاءات نيويورك وبوسطن، وكأن العاصمة الاقتصادية تقف على أعتاب تحوّل جغرافي ومعماري غير مسبوق. خطاب يحمل جرعة من الحلم، لكنه سرعان ما يصطدم بحدود الواقع البيضاوي المثقل بالأزمات.
عقد المجلس دورة استثنائية للتصويت على اتفاقية شراكة تروم تسريع وتيرة إنجاز المشروع، بكلفة تناهز 2 مليار درهم وعلى مساحة 50 هكتاراً.
الرميلي قدّمت المشروع كـ “حلم ملكي” يعود لعهد الحسن الثاني، قبل أن يجد طريقه للتفعيل في ظل التوجيهات الملكية الحالية.
غير أن لغة الرمزية لم تُخف الأسئلة الجوهرية: من أين ستأتي هذه المليارات، وهل فعلاً الجماعة التي بالكاد تغطي الأجور وخدمات النظافة قادرة على تمويل مشروع بهذا الحجم دون قروض وصناديق خصوصية؟
الجماعة معروفة بهشاشة ماليتها منذ سنوات، ما يفسر اعتمادها الدائم على شركات التنمية المحلية وصندوق التجهيز الجماعي. أرقام وتقارير سابقة أكدت هذا الواقع، حتى وإن لم يُذكر اسم الدار البيضاء صراحة في أحدث تقارير المحاكم المالية.
أما وعود إعادة إيواء الأسر القاطنة بالمدينة القديمة نحو حي النسيم، فهي تبدو براقة في التصريحات، لكنها تستحضر تجارب سابقة حيث تحولت “إعادة الإيواء” إلى “إعادة التهميش”. والحديث عن أثر المشروع على أحياء واسعة كالحي المحمدي ودرب السلطان يظل رهيناً بما إذا كانت المنتزهات قادرة فعلاً على إخفاء أعطاب التلوث والزحمة والخدمات الغائبة.
كما لم تُفَوّت العمدة الفرصة للتنويه بدور وزارة الداخلية في مواكبة المشروع، مع الإشارة إلى حضور وزير الداخلية لبعض الاجتماعات السابقة المرتبطة بمرحلة التحضير، إضافة إلى انخراط شركة التنمية المحلية (سيديجي) كشريك أساسي في هذا الورش الاستراتيجي. ما يعيد طرح سؤال السيادة على المشاريع الكبرى: هل المنتخبون هم من يقررون فعلاً، أم أن التكنوقراط هم المايسترو الخفي؟
يقدَّم “المحج الملكي” كأيقونة حضرية ستضع الدار البيضاء في مصاف العواصم العالمية. لكن بين نيويورك وبوسطن، تبقى جغرافيا الحلم أبعد بكثير من واقع مدينة تصارع أعطابها اليومية.