رحل أحمد الزفزافي، والد ناصر الزفزافي، تاركاً وراءه سيرة رجل بسيط حمل على كتفيه أوجاع الريف لعقود، قبل أن يتحوّل بقدَر اللحظة إلى صوت أبوي لمعتقلي الحراك.
لم يكن سياسياً ولا منظراً، لكنه جسّد صورة الأب الذي يصرخ في وجه الصمت دفاعاً عن ابنه وعن جيل كامل من الشباب الذين حلموا بالكرامة والتنمية والعدالة.
والجنازة التي ستحتضنها أرض الحسيمة لن تكون مجرد وداع عابر، بل مشهداً مكثفاً لِما يختزنه الريف من رمزية وذاكرة، إذ سيحج إليها أبناء المنطقة من كل صوب في وداع أب صار رمزاً، ويبقى السؤال معلقاً: هل سيحضر الأمن بصفته مراقباً صامتاً لهذه اللحظة الاستثنائية؟ وإن حضر، فسيكون الحضور بحد ذاته رسالة سياسية لا تقل ثقلاً عن لحظة الوداع.
لكن السؤال الأعمق يظل مطروحاً: هل سيزيد هذا الرحيل من نقمة ناصر الزفزافي على وطن لم يترك له سوى السجن ومرارة الفقد، أم أن اللحظة قد تكون مدخلاً لمراجعة صادقة تعيد تعريف العلاقة بين الريف والدولة بعيداً عن ثنائية الحب والكره، فالمعضلة ليست في الانتماء للوطن بل في الإحساس بالإنصاف داخله.
ومن المستفيد من بقاء ناصر الزفزافي رهن الاعتقال؟ جواب هذا السؤال لا يخلو من مرارة، فثمة من يعتبر أن استمرار اعتقاله ضمانة لـ”هيبة الدولة” ورسالة ردع لكل نزوع احتجاجي مستقبلي، وهناك من يرى أن الملف تحوّل إلى ورقة في يد أطراف تُلوّح بها عند الحاجة أكثر مما هو ضرورة وطنية، بينما تذهب أصوات أخرى إلى أن استمرار السجن يضر بصورة الدولة نفسها إذ يكرّس صورة جرح مفتوح يمنع أي مصالحة حقيقية.
إن وفاة أحمد الزفزافي تعيد إلى السطح سؤالاً جوهرياً: كيف نطوي صفحة الريف؟ هل بالاستمرار في مقاربة أمنية صلبة، أم بفتح أفق جديد عنوانه العفو والمصالحة والتنمية؟ إن رحيل الرجل ليس مجرد حدث إنساني، بل علامة على أن الزمن يمضي فيما الجراح ما تزال مفتوحة.