أعلنت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها عن إطلاق دراسة جديدة لرسم خريطة دقيقة لمخاطر الفساد داخل قطاع الصحة، بميزانية تناهز 2,49 مليون درهم، موزعة على مراحل خمس تمتد لأزيد من مئتي يوم.
خطوة تبدو على الورق محاولة جادة لتطويق بؤر الفساد في قطاع حساس يمس حياة المواطنين بشكل مباشر.
غير أن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يحتاج المغرب إلى دراسة أخرى لتشخيص أعطاب قطاع الصحة؟ أم أن الحاجة الملحّة تكمن في تفعيل ما تراكم من تقارير ودراسات سابقة لم تجد طريقها إلى التنفيذ؟ فمن المجلس الأعلى للحسابات إلى النقابات المهنية، مروراً بتقارير الجمعيات المدنية والهيئات الصحية الوطنية، كلها وضعت أمام صانع القرار خلاصات دقيقة حول مكامن الخلل: ضعف الحكامة، غياب الشفافية في الصفقات، النقص المزمن في الأطر والتجهيزات، والزبونية التي تحوّل الحق في العلاج إلى امتياز.
كشفت مصادر إعلامية أن الهيئة تراهن على مقاربة تحليلية تركز على سلسلة القيمة للمنتجات الطبية والقطاع الخاص، سعياً إلى تشخيص معمق وتقديم توصيات عملية.
غير أن التجربة المغربية علمتنا أن الإشكال لم يكن يوماً في نقص التشخيص، بل في غياب الإرادة السياسية لترجمة هذه التشخيصات إلى قرارات جريئة، تُخضع المسؤولين للمحاسبة وتُعيد للمواطن ثقته في المرفق العمومي.
إن تراكم الدراسات دون أثر ملموس على أرض الواقع لا يزيد إلا من اتساع الهوة بين المواطن والدولة، ويكرّس صورة قطاع صحي يفيض بالتوصيات ويعاني في الممارسة.
ولعل المأساة اليومية التي تتجلى في وفيات على الطرق الجبلية أو في مواعيد طبية مؤجلة لشهور، أبلغ من أي تقرير مكتوب أو ورشة عمل رسمية.
الخلاصة أن المطلوب اليوم ليس دراسة جديدة بقدر ما هو جرأة سياسية في مواجهة الفساد المستشري داخل المنظومة الصحية. فالتشخيص معروف، والتوصيات متوفرة، وما ينقص هو القرار. فمتى يتحول “التشخيص” إلى “علاج”؟