جواب كتابي لوزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح على سؤال رئيس الفريق الحركي إدريس السنتيسي أعاد فتح النقاش حول ما إذا كانت الحكومة تملك فعلاً الإرادة لترويض لهيب الأسعار.

الوزيرة لم تتردد في التأكيد أن النص القانوني يمنح السلطة التنفيذية كامل الصلاحيات لتأطير السوق متى دعت الحاجة، سواء بصفة دائمة أو مؤقتة، وفق ما ينص عليه قانون حرية الأسعار والمنافسة رقم 99-06.

هذا القانون، الذي رأى النور سنة 2000، مرّ عبر ثلاث محطات كبرى: تعديل سنة 2008 الذي أضاف العقوبات الإدارية لتقوية أجهزة المراقبة، إصلاح 2014 الذي وسّع صلاحيات مجلس المنافسة ومنحه صفة تقريرية، ثم تعديل 2022 الذي دقّق المقتضيات ليكون أكثر قرباً من الممارسات الدولية، مع ضمان توازن أكبر بين حرية السوق وحماية المستهلك.

الوزيرة استعرضت بدقة المادتين 3 و4: الأولى تسمح للحكومة بالتدخل الدائم لتقنين أسعار حوالي 20 مادة وخدمة، والثانية تتيح اتخاذ إجراءات ظرفية لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة في حالة الكوارث أو الظروف الاستثنائية. بل ذكّرت فتاح أن هذه الصلاحيات فُعّلت خلال جائحة كورونا، حين سُقّفت أسعار الكمامات والمعقمات والاختبارات الطبية، وأُدرجت بعض الخدمات الإدارية والتكوينية ضمن لائحة المواد المقننة.

لكن هنا يبدأ التناقض الفاضح: لماذا لا تُستعمل هذه الصلاحيات اليوم في مواجهة غلاء المواد الغذائية والمحروقات؟ هل يحتاج المواطن إلى وباء جديد ليحظى بحماية قانونية من جشع السوق؟ أليس التضخم المتواصل كارثة اجتماعية بحد ذاته تستوجب تدخلاً لا يقل إلحاحاً عن حالة الطوارئ الصحية؟

الجواب الوزاري بدا أشبه بمحاضرة قانونية أنيقة، لكنه تجنّب صلب الإشكال: غياب الجرأة السياسية. الحكومة تعرف أنها تملك المفاتيح، لكنها تُفضل أن تُبقي الأبواب مغلقة.

والأدهى أنها لا تتردّد في جني ثمار الغلاء عبر الضرائب غير المباشرة والرسوم التي تنتفخ مع كل ارتفاع في الأسعار، تاركة المواطن يئنّ تحت وطأة فاتورتين: فاتورة السوق وفاتورة الخزينة.

ما جدوى قانون متقدم إذا ظل حبيس الرفوف؟ وما معنى حماية القدرة الشرائية إذا كانت الحكومة تُمارسها على الورق وتتنصل منها في الواقع؟ أسئلة تكشف أن المشكل لم يعد في النصوص، بل في من يملك الشجاعة لتفعيلها.

هكذا تتحول “حرية الأسعار” إلى عنوان مضمر: حرية الحكومة في حماية توازناتها أولاً، وحرية السوق في ابتلاع المواطن ثانياً.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version