تعيش الساحة السياسية على وقع مشاورات مكثفة حول تعديل القوانين الانتخابية، حيث سارعت الأحزاب إلى صياغة مذكراتها وعرضها على وزارة الداخلية.
وبينما اختارت بعض التنظيمات الكشف عن مضامين مقترحاتها للرأي العام وتنظيم ندوات صحفية، فضّل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يسلك مساراً مختلفاً.
إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، صرّح بوضوح قائلاً: “لا أتحاور مع المواطن، لأن جلالة الملك كلف وزارة الداخلية بالمشاورات، وبالتالي أنا لا أتشاور إلا مع الداخلية”.
كشفت مصادر إعلامية أن حزب “الوردة” كان أول من وضع مذكرته على مكتب وزير الداخلية يوم 20 غشت الماضي، غير أن القيادة الاتحادية أصرت على حجب تفاصيلها إلى حين اكتمال الحوار مع “أم الوزارات”.
هذا الموقف جعل الحزب في تناقض صارخ مع شعاراته التاريخية، إذ كيف لتنظيم يساري أن يستبعد المواطن من النقاش العمومي، وهو الذي طالما تبنّى خطاب المشاركة والانفتاح؟
تصريحات لشكر تعكس تصوراً إدارياً ضيقاً لمفهوم السياسة. فبدل أن تكون المذكرة وثيقة للنقاش الوطني المفتوح، تحولت إلى ملف سري ينتظر ختم الداخلية قبل أن يصل إلى المواطن.
والأدهى أن زعيم الحزب لم يتردد في القول إن المواطن “معني بالنتائج فقط، لا بمسار الحوار”. هذه العبارة تختصر الأزمة: الأحزاب لم تعد ترى في الناخب شريكاً في صناعة القرار، بل مجرد أداة انتخابية يُستدعى يوم الاقتراع ويُقصى من كل ما عداه.
التبرير الذي ساقه لشكر، والقائم على “العقلانية” واحترام مسار التفاوض مع الداخلية، لا يقنع الرأي العام. لأن الشفافية لا تفسد الحوار بل تمنحه مصداقية، والمشاركة لا تُقبر المشاورات بل تحصّنها. في المقابل، إخفاء الوثائق وتسييج الحوار بجدران إدارية يزيد من عزلة الأحزاب، ويغذي العزوف السياسي الذي صار سمة بارزة في المشهد المغربي.
البعد الاستراتيجي لهذه الأزمة يتجاوز حزب الاتحاد الاشتراكي إلى المنظومة السياسية برمتها.
فإذا كان حزب يساري عريق، ارتبط اسمه تاريخياً بالنضال من أجل الديمقراطية، يختار أن يتعامل مع المواطن بهذه الطريقة، فما الذي يمكن أن يُنتظر من أحزاب أخرى لم تبنِ رصيدها على القرب من الجماهير؟ النتيجة الطبيعية ستكون مزيداً من فقدان الثقة، ومزيداً من التشكيك في جدوى العملية الانتخابية.
الحقيقة أن المذكرات الانتخابية ليست مجرد أوراق تقنية تُسلَّم لوزارة الداخلية، بل هي عقود سياسية مع المجتمع.
والرهان الحقيقي يكمن في جعلها موضوع نقاش عمومي مفتوح، يشارك فيه المواطن باعتباره المعني الأول بقوانين ستنظم حياته السياسية في السنوات القادمة.
خلاصة القول: حين يستبعد حزب سياسي كبير المواطن من معادلة الحوار، فإنه لا يضعف فقط صورته، بل يساهم في تكريس مشهد سياسي بلا جاذبية، ويؤكد أن الفجوة بين المجتمع وأحزابه آخذة في الاتساع.
بين ذاكرة اليسار ومنطق الداخلية، يقف الاتحاد الاشتراكي أمام سؤال وجودي: هل ما زال قادراً على تمثيل المواطنين، أم أنه تحوّل إلى مجرد مخاطب إداري ينتظر الضوء الأخضر قبل أن يتحدث للشعب؟