من يكتب قوانين الاقتراع؟ هندسة حزبية بغطاء رسمي بلا روح مجتمعية
مع انطلاق المشاورات حول تعديل القوانين الانتخابية المقبلة، يطفو على السطح سؤال جوهري: أين اختفت الديمقراطية التشاركية التي نص عليها دستور 2011؟
فالدستور لم يكتفِ بالإشارة الرمزية إلى دور المجتمع المدني، بل خصّص فصولاً دقيقة لذلك. الفصل 12 نصّ بوضوح على أن الجمعيات والمنظمات غير الحكومية تساهم، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد القرارات والمشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، بل وتشارك في تفعيلها وتقييمها.
أما الفصل 13، فقد ألزم السلطات العمومية بإحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتقييمها.
وزاد الدستور في الفصلين 14 و15 حين منح المواطنين الحق في تقديم ملتمسات تشريعية وعرائض للسلطات العمومية.
لكن، أمام هذه المقتضيات الدستورية الصريحة، يظهر التناقض الحاد بين النص والواقع: فالمشاورات حول القوانين الانتخابية ما تزال دائرة مغلقة بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية، في غياب تام لصوت المجتمع المدني، وكأن الفصول الدستورية مجرد “ديكور” جميل بلا أثر عملي.
إشراك الفعاليات المدنية ليس ترفاً سياسياً، بل هو جوهر الديمقراطية التي وُعد بها المغاربة منذ 2011. فالمجتمع المدني، بما يملكه من احتكاك مباشر بالمواطنين في القرى والمناطق الهشة، قادر على نقل انشغالات الناس وتحويلها إلى مقترحات عملية.
تغييب هذا الدور يعني اختزال العملية الانتخابية في هندسة حزبية محضة، تضمن التوازنات الشكلية وتُقصي القضايا الجوهرية التي تهم حياة المواطنين اليومية.
إن ما يجري اليوم يمكن وصفه بـ”الإجهاض الناعم”: لا أحد يعلن صراحة إلغاء الديمقراطية التشاركية، لكنها تُفرغ من مضمونها تدريجياً عبر ممارسات تقنية مغلقة، تجعل النص الدستوري معلقاً، وتحوّل الانتخابات إلى مجرد توزيع مقاعد بأمر إداري.
وزارة الداخلية، وهي تمسك بخيوط هذا الورش، تواجه امتحاناً دستورياً بامتياز: إما أن تعطي للفصول 12 و13 و14 و15 حياةً واقعية وتفتح الباب أمام مشاركة مدنية وشبابية واسعة، أو أن تتحمل وزر تحويل دستور 2011 إلى نص جميل بلا روح.
ويبقى السؤال الذي يلاحق المشهد: هل ستبقى التشاركية مؤجلة، والدستور مفرغاً من روحه، أم أن لحظة مراجعة القوانين الانتخابية ستكون فرصة لاستعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته؟