كلما تعلق الأمر بخبر عن اكتشاف ثروة جديدة في المغرب، ينفجر النقاش بين الحلم والشك. من ذهب كلميم اليوم، إلى الغاز الصخري بالأمس، ومن فوسفاط الصحراء إلى فضة إميضر، تظل القصة واحدة: وعد ضخم يلهب المخيال الشعبي، ثم تضارب في الأرقام، ثم فراغ في التواصل المؤسساتي يترك الناس أمام سؤال قديم يتجدد دائماً: أين تذهب الثروة؟
قصة عروق الذهب في كلميم بدأت بإعلان شركة مسجّلة برأسمال متواضع لا يتجاوز 100 ألف درهم، عن تركيزات “استثنائية” تصل إلى 300 غرام في الطن، قبل أن يتم “تصحيح” الرقم إلى 30 غراماً، ثم تظهر البيانات التاريخية أن المتوسط الحقيقي لا يتجاوز 8,47 غراماً.
هنا يتضح أن القضية ليست فقط معطيات جيولوجية متضاربة، بل معضلة في منهجية الإعلان وغياب المعلومة الرسمية الدقيقة من وزارة الطاقة والمعادن.
لكن حتى لو افترضنا أن الذهب موجود فعلاً بكمية تجارية، يبقى السؤال الأكبر: إلى أين ستتجه عائداته؟ هل ستستثمر في تنمية كلميم وباقي الجنوب الشرقي، حيث الطرق مهترئة والمستشفيات فارغة والمدارس في وضعية مزرية؟ أم أنها ستلتحق بلائحة طويلة من الثروات الوطنية التي تختفي عائداتها بين الصناديق الخصوصية والصفقات المغلقة، بينما يظل المواطن البسيط يشاهد فقط الأرقام في التقارير الرسمية دون أثر ملموس في حياته اليومية؟
لقد علمنا تاريخ تدبير الثروة في المغرب أن المعادلة غير متوازنة: موارد ضخمة في الفوسفاط، العملة الصعبة من صادرات الفلاحة والفوسفات والسيارات، تحويلات الجالية التي تتجاوز 100 مليار درهم سنوياً… ومع ذلك، تبقى الهوامش القروية مهمشة، والطبقات الوسطى منهكة بالضرائب، والشباب في مواجهة البطالة.
أي أن الثروة موجودة، لكن مسارها ينتهي في غير ما كان يُنتظر منها.
القضية إذن أعمق من ذهب كلميم: إنها مرآة تعكس إشكالية توزيع الثروة وغياب العدالة في تحويلها إلى مشاريع تنموية حقيقية.
حين يصبح خبر الذهب مجرد “إشاعة”، فهذا يعني أن المؤسسات الرسمية لا تقوم بدورها في التوضيح والتأطير. وحين يُطرح السؤال عن العائدات ولا نجد جواباً، فهذا دليل على أن الثروة في المغرب ما زالت تدار بمنطق الغموض أكثر من منطق الشفافية.
إن الذهب الحقيقي الذي تحتاجه البلاد ليس ما يُستخرج من باطن الأرض، بل ما يُستثمر في المدرسة العمومية، والمستشفى الجهوي، والطريق القروي، وفرص الشغل للشباب. وما لم يتحقق ذلك، ستظل قصة ذهب كلميم مجرد فصل جديد في حكاية طويلة: ثروات تُعلن وتُضخم، لكن أثرها التنموي يظل غائباً، لتبقى المعادلة المؤلمة: ثروة تُنتج في الهامش، وتُستهلك في المركز.