عندما جرى افتتاح ملعب محمد الخامس بالرباط في أجواء احتفالية كبيرة، لم يكن النقاش مقتصراً على العشب الأخضر أو هندسة المدرجات، بل تسلل السؤال العميق إلى جيوب المغاربة: كم كلّفت هذه “الصورة المثالية”؟ وكم صرفت جامعة كرة القدم على المؤثرين والشعاع الإعلامي لتلميع الواجهة؟

كشفت مصادر غير رسمية عن حضور واسع لمؤثرين ومؤثرات، اصطفوا لتصدير صورة براقة عن “المغرب المونديالي”، دون أن يُعلن للرأي العام عن حجم المبالغ التي خُصصت لهذه الحملة.

مواطنون كثر اعتبروا أن الأموال التي تُصرف على “التأثير الافتراضي” ينبغي أن توجه نحو دعم كرة الأحياء، تجهيز ملاعب القرى، أو على الأقل تخفيض أثمنة التذاكر حتى لا يبقى حضور المباريات حكراً على الميسورين.

لكن خلف الضوضاء، يظل السؤال الأخطر معلقاً: من يملك الحق في معرفة الكلفة الحقيقية لهذه الاستراتيجية الاتصالية؟ ومن يحاسب الرجل الذي صار، في نظر كثيرين، أقوى من الوزراء وأكثر تأثيراً من البرلمانيين؟

الجامعة الملكية لكرة القدم مؤسسة عمومية تخضع لقوانين الدولة وتموّل بجزء معتبر من أموال دافعي الضرائب.

وبالتالي فإن حق المواطن في المعلومة ليس ترفاً، بل مبدأ دستوري يكفله القانون. ومع ذلك، ظلّت الصفقات المتعلقة بالملاعب، بالمؤثرين، وبمشاريع المونديال، محاطة بالسرية والغموض، وكأنها ملكية خاصة لا علاقة لها بالمال العام.

السؤال البديهي: إذا كانت الملاعب المغربية في مستوى محترم، فلماذا يحتاج المسؤولون إلى “جيش افتراضي” لصناعة صورة موازية؟ هل نحن أمام تلميع استباقي لصورة وطنية قبل كأس العالم 2030، أم أن الأمر يتعلق بخلط مقصود بين الرياضة، المال، والتأثير الإعلامي؟

من يحاسب الرجل الذي صار يُلقب بالعرّاب؟ هل البرلمان الذي يفترض فيه ممارسة الرقابة، لكنه يكتفي بالتصفيق؟ أم المجالس العليا للحسابات التي تنشر تقارير تقنية لا تجد طريقها إلى التنفيذ؟ أم أن الأمر متروك لزمن التاريخ وحده ليقول كلمته؟

المواطن البسيط لا يسأل عن العشب الاصطناعي، ولا عن تقنيات الإنارة الجديدة، بل عن شيء أبسط: كم صرفت الجامعة من جيبه على المؤثرين؟ كم كلّفت صورة ملعب محمد الخامس المرممة؟ وأي معادلة هذه التي تُعطي الأولوية للواجهة على حساب الواقع الاجتماعي والرياضي؟

في النهاية، ما دام المال مالاً عاماً، يظل الحق في التساؤل مشروعاً، بل واجباً. وإذا كانت الملاعب اليوم تتلألأ بالأضواء، فإن السؤال سيبقى يطارد أصحاب القرار: من يحاسب العرّاب؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version