أعاد قرار عزل عامل عمالة إنزكان أيت ملول، إسماعيل أبو الحقوق، النقاش حول واحدة من أكثر القضايا حساسية في تدبير المجال العمومي: تحويل وعاء عقاري كان مخصصا لإنشاء مؤسسة تعليمية إلى مشروع تجاري ضخم.
القضية، التي تفجرت تفاصيلها منذ سنوات، تحوّلت هذه الأيام إلى مرآة عاكسة لطريقة إدارة الثروة العقارية بالمغرب، حيث يختلط المال بالقرار الإداري، وتذوب الحدود بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة.
كشفت مصادر إعلامية أن الوعاء العقاري، الذي تبلغ مساحته 4671 مترا مربعا، كان مبرمجا لاحتضان مدرسة عمومية بمدينة إنزكان، قبل أن تغيَّر وجهته فجأة سنة 2017. فشركة “العمران سوس ماسة” قامت ببيعه لشركة عقارية ناشئة بثمن لم يتجاوز 234 مليون سنتيم؛ رقم يثير أكثر من استفهام بالنظر إلى القيمة السوقية للأرض في منطقة مكتظة وحيوية مثل إنزكان، حيث يتجاوز سعر المتر المربع الواحد أضعاف ما جرى به البيع.
الأكثر إثارة أن المالكين الجدد ليسوا سوى زوجتي منعش عقاري معروف بالمنطقة و”مسؤول نافذ بوزارة الداخلية”، في مشهد يضع علامات استفهام حول تضارب المصالح، خصوصا بعد منح رخص استثنائية لتغيير تخصيص العقار من مرفق تعليمي إلى مركز تجاري ضخم. وهنا يتحول السؤال من “كم بيعت الأرض؟” إلى “كيف تُصنع القرارات؟”
إن القضية لا تتعلق فقط بصفقة عقارية مشبوهة، بل بنموذج متكرر يبيّن أن المدرسة العمومية تُقصى، بينما تفتح الأبواب على مصراعيها أمام مشاريع تجارية.
إنها معادلة تفضح أولوية غير معلنة: الاستثمار في المول بدل الاستثمار في العقول.
اليوم، بعد أن أطاح الملف بعامل الإقليم، يبقى السؤال الأكبر معلقا: هل يكفي تغيير الأشخاص لمعالجة أعطاب البنية؟ أم أن الأمر أعمق من ذلك، حيث تحولت “الدولة العقارية” إلى فاعل يوزع الوعاء العمومي وفق منطق النفوذ والريع؟
في النهاية، من مدرسة لم تر النور إلى مركز تجاري يدر الأرباح، تُقدَّم دروس السياسة في المغرب بلا مقرر مدرسي: المال يصنع المسارات، والقرارات ترسمها شبكات النفوذ، بينما المواطن يكتفي بالتفرج على الفصل الأخير من رواية المدرسة التي تحولت إلى مول.