لم يعد النقاش حول أسعار الأدوية في المغرب مسألة تقنية مرتبطة بحسابات السوق، بل تحوّل إلى مرآة تعكس التناقض المؤسساتي والتناحر النقابي.
فبينما خرج أحمد رحو، رئيس مجلس المنافسة، لينفي بشكل قاطع توصّل مؤسسته بأي نص يتعلق بمشروع المرسوم الخاص بتحديد أثمنة الأدوية، ما تزال وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تؤكد في لقاءاتها مع النقابات أنها تنتظر رأي هذه المؤسسة الدستورية. وهكذا يصبح السؤال مشروعاً: من يضلّل الرأي العام؟
كشفت مصادر إعلامية أن هذا الغموض ألقى بظلاله على موقف النقابات نفسها. فخالد الزوين، رئيس المجلس الوطني للاتحاد الوطني لصيادلة المغرب، شدّد على أن النقابات تعتمد على ما صرحت به الوزارة رسمياً، أي أنها تنتظر بدورها رأي مجلس المنافسة.
غير أن رحو يصرّ على أن المجلس لم يتوصل بأي شيء. والنتيجة أن الملف دخل نفقاً من التصريحات المتناقضة، فيما يظلّ المواطن عالقاً بين مؤسسات تتقاذف المسؤوليات.
لكن الارتباك لم يتوقف عند حدود الحكومة والمجلس، بل تسرّب إلى الصف النقابي ذاته. ثلاث مركزيات نقابية كبرى أصدرت بلاغاً نارياً ضد كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب، متهمة إياها بالكذب والتشويش وتزييف الحقائق.
وذهبت أبعد من ذلك حين وصفت الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها الكونفدرالية بأنها “لا تمثل إلا 160 صيدلياً من أصل 14 ألف”، في إشارة إلى ضعف تمثيليتها.
في المقابل، ردّ رئيس الكونفدرالية محمد الحبابي معتبراً أن الوقفة كانت حاشدة بشهادة الصحافيين، وأن محاولات التقليل منها لا تعدو أن تكون سوء تقدير أو تصفية حسابات.
وهكذا تحوّل النقاش حول مرسوم يفترض أن يضمن عدالة الأسعار للمواطنين إلى حلبة ملاكمة بين نقابات تتناحر، ومؤسسات تتنصّل، ووزارة تكتفي بلعبة الانتظار.
وفي ظلّ هذا المشهد، يبقى السؤال معلقاً: من يحمي المريض من فوضى السوق، إذا كانت المؤسسات الغارقة في تضارب الأقوال والنقابات الممزقة بالصراعات الداخلية عاجزة عن التوافق على أبسط الإصلاحات؟