وزير الصحة التهراوي لم يعد يوزّع الحلول ولا حتى الوعود، بل صار يوزّع السخرية. آخر المشاهد الصادمة جاءت من مستشفى مكناس، حيث تناقلت منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يُظهر الوزير أمين التهراوي وهو يخاطب أحد المسؤولين الإداريين بعبارة لا تليق بمقامه: “اطلع للرباط دير احتجاج”. جملة قصيرة، لكنها تختصر كل شيء: غياب المسؤولية، قلب الأدوار، والاستهزاء بمؤسسات الدولة نفسها.
المشهد لم يكن مجرد زلة لسان، بل تعبير صريح عن عقلية التملص. الوزير الذي يُفترض أن يقود قطاع الصحة في لحظة انهيار غير مسبوق، يتعامل وكأنه مجرد متفرج من الصفوف الخلفية.
فبدل أن يقدّم خطة إنقاذ عاجلة، يطلب من موظف تابع له أن يتحوّل إلى محتج في الشارع. أي عبث سياسي هذا الذي يجعل رأس القطاع يحوّل موظفيه إلى خصوم محتملين، بدل أن يحوّل وزارته إلى ورش للإصلاح؟
الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم لم يُحرج الوزير وحده، بل فضح منطقاً سياسياً كاملاً صار يعتبر الاحتجاج وصفة جاهزة حتى لمن هم في موقع القرار.
فإذا كان المسؤول الإداري مدعوّاً للاحتجاج، فما الذي بقي للمواطن البسيط الذي لا يملك لا سلطة ولا منبر؟ هل عليه أن يشد الرحال بدوره إلى الرباط ليصرخ أمام وزارة تحتمي بجدرانها وتلوّح بالأرقام في حين أن المستشفيات تئنّ بلا تجهيز ولا كرامة؟
الواقع أن ما وقع في مكناس ليس سوى لقطة صغيرة من فيلم طويل عنوانه الانهيار. من الحوز إلى أكادير، ومن البيضاء إلى الرباط، نفس المشاهد تتكرر: أقسام فارغة من الأدوية، أجهزة معطلة، أطر منهكة، ومرضى ينتظرون رحمة السماء.
وسط هذا الخراب، يظهر الوزير أمام الكاميرا لا ليعلن حلولاً أو إصلاحات، بل ليطلق نكتة سياسية سوداء، كأنه يتسلى على أنقاض المنظومة الصحية.
إنها لحظة سقوط سياسي بامتياز، لأن الوزير الذي يُفترض أن يُحاسَب على النتائج صار يوزّع الأدوار كما لو كان مخرجاً لمسرحية عبثية: مواطنون مرضى في دور الضحايا، مسؤولون محليون في دور المحتجين، والوزير في دور المتفرج الساخر. لكن السؤال الذي يظل معلّقاً: إذا كان الوزير نفسه يطالب مسؤوله بالاحتجاج، فمن يطالب باسم الشعب؟