لم يعد المواطن المغربي في حاجة إلى تقارير مفصلة ولا إلى بيانات رسمية كي يدرك حقيقة الأزمة. يكفي أن يضع قدميه داخل مستشفى عمومي أو قسم ابتدائي ليواجه الصورة القاسية: جسد يتألم في انتظار علاج لا يأتي، وعقل ناشئ يتعثر في تعليم لا يفتح أمامه أفقًا.
إنها مأساة تُختصر في مشهدين متوازيين: صحة تنهار، وتعليم يتآكل، فيما الملايير تُصرف بلا أثر يذكر.

المستشفيات التي وُجدت لتكون ملاذًا للفقراء تحولت إلى فضاءات للانتظار الطويل.
أقسام ولادة بلا حاضنات، عمليات جراحية مؤجلة إلى أجل غير معلوم، ومرضى ينتقلون بين المدن كما لو كانوا غرباء يبحثون عن وطن بديل.

وفي قلب هذا الواقع القاتم، يطل الوزير المسؤول لا بصفته قائدًا يحمل خطة إنقاذ، بل كمتفرج ساخر يطلب من موظف تحت سلطته أن يحتج أمام وزارته.
جملة واحدة، لكنها كافية لتكشف عقلية حكم تختزل المسؤولية في التهكم، وتحوّل المأساة إلى نكتة عابرة.

أما المدرسة العمومية، فقد ابتلعت هي الأخرى الملايير تحت لافتة “الإصلاحات الاستعجالية”، لكنها لم تثمر سوى مزيد من الإحباط.
أقسام مكتظة تخنق الرغبة في التعلم، أساتذة مثقلون بما يفوق طاقتهم، ومناهج متقادمة لم تعد قادرة على مواكبة العصر. الأخطر أن العدالة، حين لامست هذه الملفات، لم تطل سوى صغار الموظفين، بينما ظل أصحاب القرار بمنأى عن أي مساءلة، وكأن الفساد في هذا البلد يملك حصانة سرية تحميه كلما تعلق الأمر بالمال العام.

الأزمة هنا ليست عارضًا عابرًا ولا خللًا تقنيًا محدودًا، بل انعكاس لبنية كاملة تشتغل بمنطق الترقيع والتسويق الإعلامي.

تُعلن المشاريع بأرقام ضخمة، وتُسوّق الخطابات بلغة النجاح، لكن الواقع يظل عنيدًا: مريض يخرج من المستشفى بجرح جديد، وطفل يعود من المدرسة بخيبة أكبر، ووزير يكتفي بالسخرية بدل القيادة.

الأخطر من كل ذلك أن المحاسبة غائبة. لا أحد يسائل عن الملايير التي ضاعت، ولا أحد يتحمل وزر موت رضيع لغياب حاضنة، أو ضياع جيل كامل في حجرات لا تصلح حتى لتأطير الأمل.
كل ما يحدث هو تكرار المسرحية ذاتها: إعفاء موظف صغير هنا، توقيف مدير هناك، ثم يطوى الملف في صمت، فيما الجرح يظل مفتوحًا.

المغربي اليوم لا يطالب بالمعجزات، ولا ينتظر الوعود البراقة. كل ما يبحث عنه هو سرير نظيف، دواء متاح، معلم حاضر، ومناهج تمنح أفقًا لأطفاله.

لكن حتى هذه المطالب الدنيا تصطدم بجدار من التجاهل، لتبقى الأسئلة معلّقة بلا جواب: من يحاسب الوزير الذي اختزل مسؤوليته في جملة ساخرة؟ ومن يعيد للوطن هيبته حين تتحول الصحة والتعليم، وهما عماد الكرامة، إلى مسرح عبث تُدار فيه الملايير بلا حساب ولا عقاب؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version