تحت المجهر الحقوقي الدولي، يجد المغرب نفسه من جديد في مواجهة أسئلة محرجة بعد موجة من قمع الاحتجاجات السلمية التي شهدتها مدن كبرى وصغرى خلال الأيام الماضية.
صور التدخلات الأمنية وتصريحات المنظمات الحقوقية أعادت طرح السؤال القديم: كيف يمكن لدولة تعلن التزامها بالديمقراطية أن تُفرغ حق التظاهر من معناه، وأن تقابل مطالب اجتماعية مشروعة بالمنع والقمع؟

خرج المواطنون إلى الشارع بمطالب واضحة وبسيطة: مستشفى يليق بكرامتهم، ومدرسة تحفظ مستقبل أبنائهم.
لم تكن هذه المطالب ذات طابع سياسي ضيق، بل تعبيراً مباشراً عن الحقوق الاجتماعية التي نص عليها الدستور المغربي.
ومع ذلك، واجهت هذه المطالب جداراً من القمع الأمني، في مشهد يضع الدولة في تناقض صارخ مع صورة بلد يُقدَّم للخارج كحاضنة للانفتاح والحداثة.

كشفت مصادر إعلامية وحقوقية أن عدداً من الوقفات المنظمة في مدن مغربية كبرى وصغرى قوبلت بتدخلات أمنية قاسية، في وقت تُخصَّص فيه الملايير للاحتفالات والمهرجانات التي لا يجد فيها المواطن سوى الفرجة العارضة.
المفارقة هنا أن الدولة تبرع في تسويق صورة “البلد الحديث” عبر المونديالات والكرنفالات، لكنها في الداخل تعجز عن توفير سرير في مستشفى عمومي أو مقعد غير مكتظ في مدرسة.

الفصل 31 من الدستور المغربي ينص على الحق في العلاج والحماية الاجتماعية، والفصل 29 يكفل حرية الاجتماع والتظاهر السلمي. لكن الممارسة اليومية تكشف عن فراغ هذه النصوص من مضمونها.
المواطن الذي يطالب بحقه الدستوري يجد نفسه في مواجهة تدخلات أمنية، بدل أن تُفتح أمامه قنوات الحوار والإصلاح.

الاحتجاجات الأخيرة لم تكن سوى مرآة لعمق الأزمة. مستشفيات إقليمية تحوّلت إلى بنايات بلا تجهيزات ولا أطباء، وأسر فقيرة تُضطر إلى قطع عشرات الكيلومترات نحو المدن الكبرى بحثاً عن العلاج.
وفي الفصول الدراسية، يواجه الأطفال ظروفاً قاسية داخل أقسام مكتظة، فيما تُقام على الضفة الأخرى مهرجانات واحتفالات صاخبة تُعرض كرمز للتنمية والانفتاح.

السياسة الناجحة لا تُقاس بعدد التدخلات الأمنية ولا بحجم المهرجانات، بل بقدرة الدولة على ضمان كرامة مواطنيها.
إن تحويل المطالب الاجتماعية إلى “ملف أمني” يعني خسارتين في آن واحد: انهيار الثقة بين المواطن ومؤسساته، وتقويض الشرعية السياسية التي لا تُبنى إلا على احترام الحقوق الأساسية.

وعلى المستوى الدولي، لا يمكن إغفال أن المغرب صادق منذ عقود على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي ينص على حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة والتعليم.
إن قمع الاحتجاجات السلمية التي تطالب بتفعيل هذه الحقوق لا يتناقض مع الدستور فقط، بل مع التزامات المغرب الدولية أيضاً، ليظهر وكأنه يستبدل التزاماته بالاحتفالات، ويضحي بالثقة مقابل صورة خارجية زائفة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version