كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في مذكرتها الإخبارية لشهر غشت 2025، أن الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك سجّل ارتفاعاً بنسبة 0,3 بالمائة مقارنة مع الشهر ذاته من السنة الماضية.
قد يبدو الرقم متواضعاً للوهلة الأولى، لكنه يخفي وراءه تفاصيل أثقل بكثير على ميزانية الأسر المغربية.
فالمذكرة أوضحت أن أسعار الخضر ارتفعت بـ3,4%، والفواكه بـ2,8%، والسمك وفواكه البحر بـ2%، فيما قفزت أسعار اللحوم بـ1,9%.
وهي مواد أساسية في الاستهلاك اليومي، مما يجعل أي زيادة فيها أشبه بضربة موجعة للقدرة الشرائية.
ورغم تسجيل بعض الانخفاضات الطفيفة في الزيوت أو المشروبات، إلا أن الاتجاه العام ظل صاعداً، خصوصاً في المدن التي شهدت زيادات لافتة مثل الحسيمة (+2,2%) وبني ملال (+1,4%).
غير أن السؤال الجوهري الذي يطرحه هذا الواقع لا يتعلق فقط بمعدلات التضخم، بل بما يترتب عنها من آثار على العلاقة بين الدولة والمواطن.
فكلما ارتفعت الأسعار، ارتفعت تلقائياً المداخيل الجبائية للحكومة، بحكم هيمنة الضرائب غير المباشرة (وخاصة الضريبة على القيمة المضافة) على بنية موارد الخزينة.
بمعنى آخر: ما ينهشه الغلاء من جيب المواطن يتحول في الوقت نفسه إلى ريع ضريبي يصب في ميزانية الدولة.
هكذا يبدو التضخم في المغرب أشبه بصفقة من طرف واحد: المواطن يخسر قدرته الشرائية، بينما الدولة تراكم الأرباح تحت غطاء الضرائب.
فبدل أن تتحرك الحكومة لتسقيف الأسعار أو كبح جشع الأسواق، تكتفي بتسقيف الأرباح لمصلحتها هي، مستفيدة من كل ارتفاع في ثمن الخبز أو الخضر أو اللحوم.
إنها معادلة قاسية: كل زيادة في فاتورة السوق تعني زيادة في الخزينة، وكل صعود في مؤشر الأسعار يقابله هبوط في ثقة المواطن.
وفي غياب سياسات ناجعة لحماية القدرة الشرائية، يظل التضخم ورقة مربحة للحكومة وخاسرة للأسرة المغربية.
التضخم في المغرب لم يعد مجرد مؤشر اقتصادي، بل صار مرآة تكشف كيف تتحول الأزمة إلى فرصة لتسمين الخزينة على حساب معيشة الناس.