في مشهد يلخص قسوة المفارقات المغربية، يواصل شباب المغرب ركوب البحر نحو جزر الكناري وأوروبا، هاربين من واقع يزداد انسدادًا.
البحر، بكل قسوته، صار في نظر هؤلاء أرحم من برّ وطن لم يعد يفتح أمامهم سوى أبواب البطالة والتهميش.
وفي الجهة الأخرى، تُعلن الحكومة عن مشاريع ملاعب فاخرة بميزانيات بمليارات الدراهم استعدادًا لمونديال 2030، وكأن صورة العشب الأخضر أولوية تتقدّم على لقمة العيش وفرص العمل.
كشفت مصادر إعلامية إسبانية أن منظمات حقوقية طرحت سؤالًا صادمًا: كيف تُبنى ملاعب فاخرة بأموال طائلة، بينما شباب البلد يغامرون بأرواحهم في قوارب الهجرة السرية؟ سؤال قد يبدو بسيطًا، لكنه في العمق يفضح توازنًا سياسيًا مختلًا، حيث تُضخ المليارات في مشاريع الواجهة، بينما القطاعات الحيوية التي تصنع المستقبل الحقيقي التعليم، الصحة، التشغيل تظل على هامش الاهتمام.
سياسيًا، لا يمكن إخفاء الشرخ الكبير بين خطاب الحكومة وواقع الشارع.
الوزراء يردّدون في المنابر أن المونديال “فرصة تاريخية” و”مشروع وطني جامع”، لكن الشباب في الأحياء الشعبية والقرى يرونه مجرّد استعراض لا يعنيهم.
هؤلاء الذين لم يجدوا مقعدًا في مدرسة لائقة ولا سريرًا في مستشفى عمومي، يدركون أن المدرجات الفاخرة لن تمنحهم عملًا ولا كرامة.
إننا أمام سياسة تختزل الوطن في صورة دعائية، وتحوّل المواطن إلى تفصيل ثانوي في معادلة السلطة.
اقتصاديًا، الأرقام تفضح أكثر مما تخفي. الدين العمومي تجاوز 970 مليار درهم، البطالة تضرب الفئات الشابة بشكل مقلق، والفوارق المجالية تتسع يومًا بعد يوم.
ومع ذلك، تُفتح الخزائن لتمويل ملاعب وواجهات إسمنتية بحجة أن “الاستثمار في الرياضة يعود بالنفع على الجميع”.
لكن أين هذا النفع حين تُهدر الطاقات في انتظار مباراة، بينما تُهدر الأرواح في عرض البحر؟ وأي منطق اقتصادي يجعل من كرة القدم أهم من مصنع يشغّل مئات الشباب أو مدرسة تنقذ جيلًا كاملًا من الأمية؟
إن مشهد قارب صغير محمّل بالشباب وسط الأطلسي أكثر بلاغة من كل الخطب الرسمية.
البحر لا يكذب، البحر يعكس الحقيقة العارية: وطن لا يمنح أبناءه أملًا، سيدفعهم إلى الرحيل مهما كلّف الثمن. الملاعب قد تُبهر الكاميرات الأجنبية ليوم واحد، لكنها لن تُقنع شابًا عاطلًا بأن مستقبله سيولد من بين العشب الأخضر.
الخلاصة: المغرب يقف أمام لحظة فارقة. إما أن يُراجع أولوياته ويستثمر في الإنسان قبل الحجر، في الكرامة قبل المدرجات، في العدالة الاجتماعية قبل الواجهات.
وإما أن يظل البحر مكتظًا بالشباب الباحثين عن الأمل، فيما تبقى الملاعب الضخمة شاهدًا صامتًا على سياسات اختارت الاستعراض على حساب المستقبل.
