الرباط لم تكن، مساء السبت، ساحة حوار أو استماع، بل مسرحاً لاعتقالات طالت شباباً وحقوقيين خرجوا يرفعون مطلباً بسيطاً: إنقاذ قطاع الصحة العمومية من الانهيار.
الوقفة أمام البرلمان، التي دُعي إليها عبر شبكات التواصل، جوبهت بالمنع والاعتقال، لتتكرر المشاهد في الدار البيضاء وطنجة، حيث فُرّق المحتجون بالقوة.
لم تُصدر السلطات أي بلاغ رسمي يوضح خلفيات التدخل الأمني أو عدد الموقوفين، بينما تعالت الأصوات على المنصات الرقمية تنديداً بما جرى.
مفارقة تكشف عمق الأزمة: بدلاً من معالجة الداء في المستشفيات، اختارت المقاربة الأمنية معالجة الأعراض في الشارع.
الأزمة التي تفجرت من مستشفى الحسن الثاني بأكادير، والذي تحوّل إلى رمز لانهيار المنظومة الصحية، ما تزال تتسع.
قرارات الإعفاء التي اتخذها وزير الصحة لم تغيّر الواقع: خصاص مهول في الأطباء، غياب تجهيزات أساسية، وتأخر في صرف تعويضات مهنيي القطاع. إنها اختلالات بنيوية لا تنفع معها زيارات بروتوكولية ولا قرارات ترقيعية.
التناقض صارخ: في الخطاب الرسمي يُحتفى بورش “الدولة الاجتماعية” باعتباره ثورة في الخدمات العمومية، بينما في الواقع يُجرَّد المواطن من حقه في العلاج ومن حريته حين يطالب به.
أي معنى للتنمية إذا كانت المستشفيات خاوية من الأطر، والمحتجون يُساقون إلى سيارات الشرطة بدل سيارات الإسعاف؟
الرسالة التي يلتقطها الرأي العام خطيرة: أن الحق في الصحة قد يتحول إلى جريمة، وأن الغضب الاجتماعي لا يُستوعب بالحوار بل يُواجَه بالمنع والتوقيف.
إنها سياسة قصيرة النظر، تزرع انعدام الثقة وتعمّق الشرخ بين الدولة والمجتمع، وتضع سؤالاً وجودياً أمام المستقبل: هل تُبنى الديمقراطية بقاعات برلمانية مغلقة، أم بمستشفيات مفتوحة على حياة كريمة للمواطنين؟
