لم يعد المغاربة بحاجة إلى تقارير دولية أو معاهد استراتيجية ليعرفوا الحقيقة: الاقتصاد الوطني، بكل خططه وشعاراته، ما زال رهين المطر من جهة والإسمنت من جهة أخرى.

تقرير المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية لم يأتِ بجديد بقدر ما وضع الأرقام على الورق: الفلاحة تنهار مع كل جفاف، البناء يعيش على دورة أوراش عابرة، التجارة تتوسع بلا حقوق، والصناعة غائبة عن الموعد.

أخطر ما كشفه التقرير ليس فقط هشاشة الوظائف، بل العجز التاريخي عن بناء اقتصاد يخلق عملاً لائقاً. فبعد عقدين من “الإصلاحات الكبرى”، لم تستطع الصناعة أن تتجاوز 12% من التشغيل، ولم يتحول المغرب إلى قاعدة تكنولوجية كما وُعِد.

حتى النسيج، الذي كان نصف الصناعة الوطنية، تقلص إلى أقل من الثلث. صعدت مكانه صناعات رأسمالية تحتاج إلى آلات أكثر من حاجتها إلى البشر.

وهكذا وجد الشباب المغربي نفسه أمام معادلة قاتلة: إما بطالة طويلة الأمد، وإما عمل موسمي ينهار مع أول أزمة مناخية أو مالية.

لكن المسؤولية هنا ليست تقنية فقط؛ إنها سياسية بامتياز. فالأحزاب التي بشّرت بمليون منصب شغل، والتي تسابقت على تسويق “اقتصاد المعرفة” و”الجيل الأخضر”، لم تقدم سوى دعاية انتخابية.

وبعدما استقرت في مقاعد الحكومة، تحوّل الشغل من حق اجتماعي إلى مجرد رقم في الخطب الرسمية.

المفارقة أن المغرب يستعد لصرف مليارات الدولارات على مونديال 2030، ويبني ملاعب ومطارات وفنادق فاخرة، بينما عشرات الآلاف من الشباب يطاردون عقد عمل موسمي في الضيعات أو ورش بناء بلا حماية. اقتصاد بسرعتين: واحد للفرجة العالمية، وآخر للهشاشة المحلية.

السؤال إذن لم يعد: لماذا يعجز الاقتصاد عن خلق الشغل؟ بل: من يستفيد من اقتصاد بلا شغل؟ ومن يربح حين يتحوّل التشغيل إلى شعار انتخابي عابر؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version