منذ نهاية الأسبوع والمدن المغربية تعيش على إيقاع مظاهرات سلمية لم تنقطع حتى اليوم آلاف المغاربة خرجوا يطالبون بالصحة والتعليم والكرامة، رافعين شعارات تُجسّد غضباً تراكم لسنوات.

الشارع يقول بصوت واحد: انتهى زمن الانتظار، ولم يعد مقبولاً أن تُدار الأزمات بالوعود والتبريرات.

في خضم هذه الأجواء المشتعلة، خرج الطالبي العلمي بخطاب أراد أن يظهر فيه مدافعاً عن تجربة حزبه في الحكومة، زاعماً أن المغرب يعيش لأول مرة منذ الاستقلال إصلاحاً هيكلياً في قطاع الصحة.

لكنه لم يقدم اعترافاً بفشل المنظومة، بل لجأ إلى الأسطوانة القديمة: الإصلاح يحتاج وقتاً، و”صحاب المصالح” يعرقلون، وحزب الأحرار يتحمل المسؤولية.

خطاب لم يُخفف من الغضب الشعبي، بل زاد الطين بلة، لأن المواطن لم يسمع فيه سوى إنكار للواقع.

الخطير أن هذه الخرجة بدت في تناقض مباشر مع ما نبّه إليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله حين أكد أن المغرب يسير بسرعتين: سرعة قياسية في بعض المشاريع الكبرى، وبطء قاتل في القطاعات الاجتماعية.

الرسالة الملكية كانت واضحة: الأولوية يجب أن تُمنح للمستشفى والمدرسة، لا للملاعب والمهرجانات.

لكن الطالبي العلمي بدا وكأنه لم يفهم هذه الرسالة، أو لعله تجاهلها، فاختار خطاب الدفاع بدل الاعتراف.

المغاربة يرون الحقيقة بعيونهم: الملاعب تُنجز في ظرف وجيز وبملايير الدراهم، بينما المستشفيات تترنح والمدارس تُكدّس الأطفال.

السياسة صارت، في نظر كثيرين، طريقاً للزبونية وتضارب المصالح والاغتناء السريع، أكثر مما هي وسيلة للإصلاح.

وحين يواجه الشارع هذه الحقائق يومياً، فإن أي خطاب تبريري لن يُقنعه، بل سيزيد من حدة الاحتقان.

خرجة الطالبي العلمي في لحظة احتجاجات متواصلة لم تكن سوى وقود إضافي على نار مشتعلة، فبدل أن يعترف بفشل المنظومة ويعرض رؤية واضحة للخروج من الأزمة، اختار لغة الدفاع التي لا تُقنع إلا أصحابها. وهكذا يتسع الشرخ بين شارع يصرخ طلباً للكرامة، وسياسي يختبئ خلف جدار الإنكار.

السؤال اليوم لم يعد: هل ستستمر المظاهرات؟ بل: إلى أي مدى يمكن أن يذهب الغضب الشعبي إذا ظل الخطاب الرسمي عاجزاً عن مواجهة الحقيقة؟ وهل تملك الحكومة الشجاعة لتغيير أولوياتها قبل أن يفرض الشارع إيقاعه؟ أم أن المغرب سيظل يركض بسرعة قصوى نحو الملاعب، ويزحف ببطء قاتل نحو المدرسة والمستشفى؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version