حين يصبح القانون نصاً بلا روح
في مشهد يختزل مفارقات المشهد السياسي المغربي، ما زال رئيس جماعة مرتيل بعمالة المضيق الفنيدق يزاول مهامه على رأس المجلس، رغم صدور حكم قضائي نهائي في حقه من أجل التزوير في محررات عرفية، حكم أكدته كل درجات التقاضي وصولاً إلى محكمة النقض.
ورغم أن النصوص القانونية واضحة في مسألة فقدان الأهلية الانتخابية، إلا أن الواقع يفضح مرة أخرى كيف يتحول القانون عندنا إلى حبر على ورق.
كشفت مراسلة رسمية وجهها الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، عن تفاصيل مثيرة لا تليق بدولة تقول إنها حريصة على سيادة القانون.
فالحزب تحدث عن “انزلاقات خطيرة” داخل جماعة مرتيل، وعن تجاهل صارخ لتفعيل المادة 142 من القانون التنظيمي 59.11 التي تنص بوضوح على معاينة استقالة الرئيس بحكم فقدانه الأهلية.
لكن بدل أن يُعزل الرئيس المدان، وجدنا أنفسنا أمام مشهد عبثي: رئيس مهدد بفقدان شرعيته القانونية، يدرج في جدول أعمال دورة أكتوبر نقطة لإقالة ثلاثة مستشارين من حزب التقدم والاشتراكية بدعوى التغيب.
هنا لا يتعلق الأمر فقط بخلاف سياسي، بل بعبث يضرب مبدأ تكافؤ الفرص، ويحوّل المجلس إلى ساحة تصفية حسابات على أنقاض القانون.
الأخطر أن القضية لم تعد شأناً حزبياً داخلياً، بل صارت سؤالاً موجهاً للداخلية: لماذا لم تتحرك رغم أن الحكم القضائي نهائي؟ ولماذا يتحول القانون إلى مجرد خيار قابل للتأجيل، في الوقت الذي يُستعمل فيه بصرامة في ملفات أخرى أقل وزناً؟
الجمعية المغربية لحماية المال العام بدورها دقت ناقوس الخطر، مؤكدة أن رفض محكمة النقض لطعن الرئيس يُلزم عامل الإقليم بمعاينة استقالته فوراً.
ومع ذلك، يستمر الصمت صمت يطرح أكثر من علامة استفهام حول ازدواجية المعايير، ويضرب في الصميم ما تبقى من الثقة في المؤسسات.
إنها صورة مصغرة عن خلل أكبر: حين يُترك منتخب مدان بالتزوير في موقع القرار، وحين تتفرج الجهات المسؤولة على القانون وهو يُخرق أمام الملأ، فإن الرسالة الموجهة للمجتمع واضحة: القانون لا يسري على الجميع بنفس الدرجة.
وهذه أخطر إشارة يمكن أن تُمنح في زمن يطالب فيه المغاربة بالشفافية والعدالة والإنصاف.
