في بلد يرفع شعار “الدولة الاجتماعية”، تكشف الأرقام عن مفارقة صادمة: وزارة الصحة والحماية الاجتماعية أنفقت خلال النصف الأول من سنة 2025 ما يفوق 3,4 مليارات درهم، لكنها لم تنجز سوى 38 في المئة مما وعدت به إنها لغة الأرقام التي تفضح ببلاغة ما يعجز الخطاب الرسمي عن تبريره.
كشفت مصادر إعلامية استناداً إلى تقرير وزارة المالية أن ست وزارات التهمت لوحدها 79 في المئة من نفقات الاستثمار العمومي، بينما توزعت الفتات على باقي القطاعات.
المفارقة أن الصحة، رغم تصدرها لائحة الإنفاق، ما زالت عاجزة عن إنتاج أثر ملموس: مواطنون يواجهون طوابير الانتظار، مستشفيات تفتقد الحد الأدنى من التجهيز، وأطر طبية ترزح تحت ضغط خانق.
السلطة المالية تبدو حاضرة بقوة: قوانين مالية مُحكمة، نسب إنجاز موثقة، مؤشرات مرقمنة. لكن الحق في العلاج يظل غائباً خلف جدار الأرقام.
فحين تتحول الميزانية إلى واجهة دولية لتسويق الإصلاحات، بينما يعيش الداخل أزمة ثقة في المدرسة والمستشفى، نكون أمام نموذج حكم يوازن الحسابات أكثر مما يوازن العدالة الاجتماعية.
الوعود الحكومية لا تتوقف: مستشفيات جامعية جديدة في أكادير والعيون والرباط وبني ملال وكلميم والرشيدية، أنظمة رقمية متطورة، وملفات طبية مشتركة.
غير أن التجربة المغربية تعلّم أن المشكلة ليست في إطلاق الأوراش بل في ترجمتها إلى خدمات يومية تحفظ كرامة المريض. فماذا ينفع تدشين بنايات عملاقة إذا ظل المواطن يفتقد سريراً شاغراً أو طبيباً حاضراً؟
إن الأرقام وحدها تكشف أن الدولة الاجتماعية الموعودة ما زالت مشروعاً على الورق، وأن مليارات الدراهم لا تصنع ثقة حين يظل الأثر بعيداً عن المواطن. إنها قصة نظام يبدع في إنتاج المؤشرات، لكنه يفشل في إنتاج الطمأنينة.
