في لحظة سياسية متوترة يعيشها المغرب، خرج عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بنداء مباشر إلى منظّمي احتجاجات ما يُعرف بـ”جيل Z”، دعاهم فيه إلى “وقف التظاهرات فوراً” بعد أن دخلت، بحسب تعبيره، مرحلة خطيرة اتسمت بأعمال عنف وتخريب، مما قد يهدد الأمن والاستقرار.
بنكيران، الذي أكّد أنه يتفهّم المطالب الاجتماعية التي رفعتها الاحتجاجات منذ انطلاقها، شدّد على أن “القضية لم تعد مرتبطة بالحكومة أو بالسياسات العمومية فقط، بل تحوّلت إلى خطر مواجهة مفتوحة مع مؤسسات الدولة والمجتمع”.
وأضاف: “لا أحد يملك التحكم في الانفلات إذا خرج عن طابعه السلمي”، محذّراً من “عواقب وخيمة” قد تعصف بما راكمه المغرب من استقرار سياسي.
في خطابه، استحضر بنكيران ما أسماه “الرسالة التي وصلت” بوضوح، في إشارة إلى الاعتراف بشرعية المطالب في مجالات التعليم والصحة والشغل ومحاربة الفساد، لكنه طالب بوقف التحركات الميدانية حتى لا تُشوَّه هذه الرسالة بالعنف والانزلاقات.
ودعا المحتجين إلى إصدار بيان رسمي يعلنون فيه عن التوقف، “حتى لا تتحول حركة إصلاحية مشروعة إلى مدخل للفوضى”.
المثير في خطابه أنّه لم يتردد في تحميل منظّمي الاحتجاجات مسؤولية سياسية وأخلاقية، معتبراً أن التبرؤ من أحداث العنف لم يعد كافياً، وأن “المصلحة الوطنية تقتضي اتخاذ قرار شجاع بوقف التظاهر”، على حد قوله.
وبينما اختار بنكيران استدعاء البُعد الدستوري والوطني لتأطير دعوته، لم يغفل التذكير بدور المؤسسة الملكية باعتبارها الضامن للاستقرار، مؤكداً أن “جلالة الملك يتخذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب”، في ما بدا رسالة مزدوجة: من جهة تأكيد الشرعية العليا، ومن جهة أخرى تحميل المحتجين تبعة أي انزلاق إضافي.
خطاب بنكيران يعكس محاولة لإعادة ضبط بوصلة النقاش السياسي: من الاعتراف بشرعية مطالب الشارع، إلى التحذير من خطورة تمددها خارج الإطار السلمي. وبين لغة الاحتضان ولغة التحذير، بدا وكأنه يلعب دور “الوسيط الحذر” الذي يسعى إلى التوفيق بين صوت الشارع ومقتضيات الاستقرار.
إذا كان خطاب بنكيران يعكس حنكة سياسية في استدعاء لغة الحكمة، فإنه يكشف في الوقت ذاته عن هشاشة الوساطة الحزبية في زمنٍ صار فيه الشارع متقدماً على المؤسسات.
فجيلٌ ينظّم نفسه عبر المنصات الرقمية، ويصوغ لغته بعيداً عن الأطر التقليدية، قد لا يجد في خطاب سياسي تقليدي ما يقنعه بالتوقف.
إن التحدي الحقيقي أمام المغرب لا يختزل في وقف الاحتجاجات، بل في إعادة بناء جسور الثقة بين الأجيال، وبين الدولة والمجتمع.
من دون ذلك، قد تبقى النداءات مجرّد أصوات عابرة في فضاء سياسي يتغير أسرع من قدرة الأحزاب على اللحاق به.
