بينما تهتز المدن المغربية على وقع احتجاجات شبابية غير مسبوقة تطالب بالعدالة الاجتماعية وربط المسؤولية بالمحاسبة، يبدو أن المؤسسة التشريعية اختارت الانشغال بملفات ثانوية تكشف حجم القطيعة مع نبض الشارع. فبدل أن ينصت البرلمان لصوت الغاضبين في الساحات، ينصرف إلى ترتيب التعيينات الإدارية وتوزيع المناصب، كما لو أن البلاد تعيش حالة استقرار هادئ.

وحسب مصادر إعلامية، قرر راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، إنهاء مسلسل التمديد الذي عاش عليه الكاتب العام نجيب الخدي، الذي ظل في منصبه منذ عهد عبد الواحد الراضي، رغم تجاوزه سن التقاعد منذ سنوات.

قرار يُسوَّق على أنه تجديد وضخ لدماء جديدة، لكنه في العمق ليس سوى عملية تجميلية داخل مؤسسة فقدت بوصلة الثقة الشعبية.

المشهد يتكرر في مجلس المستشارين؛ حيث يستعد الكاتب العام الأسد الزروالي لمغادرة موقعه نحو منصب دبلوماسي في أمريكا اللاتينية، لتطفو إلى السطح أسماء أكاديمية وقانونية محسوبة على رئيس المجلس النعمة ميارة.

مرة أخرى، الأمر لا يخرج عن حدود الولاءات الحزبية وتبادل المنافع داخل دائرة ضيقة، فيما يزداد الشارع اقتناعاً بأن “التغيير” الموعود لا يتجاوز تبديل الوجوه مع الحفاظ على نفس المنطق.

المفارقة صارخة: المغرب يعيش أزمة ثقة سياسية واجتماعية خانقة، شباب في الشوارع يرفعون شعارات راديكالية تطالب بمحاسبة المسؤولين وكشف الصناديق السوداء وفتح دفاتر المال العام، بينما البرلمان يكتفي بتغيير كُتّاب عامين وتوزيع مواقع داخلية.

إنها صورة تختصر الأزمة: شارع يصرخ من أجل الكرامة، ومؤسسة تشريعية مشغولة بترف إداري.

إن إدخال الطالبي العلمي في واجهة هذه العملية يطرح سؤالاً أكبر من الأشخاص: هل يمكن لمناورات إدارية أن تُقنع الشارع بجدية الإصلاح؟ وهل يعقل أن يردّ البرلمان على موجة الغضب الشعبي بقرارات بيروقراطية لا تمس جوهر الأزمة؟

في زمن الغضب الشعبي، تبدو هذه التعيينات وكأنها إعلان إضافي عن إفلاس سياسي: لا إصغاء، لا محاسبة، ولا إصلاح جذري، بل مجرد إعادة ترتيب للواجهة، في مسرح فقد جمهوره.

وهنا تكمن الرسالة التي يفترض أن تصل إلى الخارج قبل الداخل: المغرب اليوم ليس في حاجة إلى تغيير وجوه في البرلمان، بل إلى مواجهة جذرية مع الفساد والريع. الشارع يطالب بالمحاسبة، بينما البرلمان يوزّع المناصب. إنها مفارقة تختصر كل شيء.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version