لم يعد النقاش حول المنظومة الصحية في المغرب مقتصراً على ضعف البنية التحتية أو خصاص الموارد البشرية؛ بل أصبح يرتبط بعمق بأسئلة الحكامة وتداخل المسؤوليات بين الوزارات.
فتصريح وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، كان بمثابة اعتراف رسمي بأن المستشفى العمومي رهينة لشركات خدمات صغيرة الحجم، محدودة الخبرة، لكنها تستفيد من عقود بملايين الدراهم.
الوزير قدّم أرقاماً مثيرة للجدل: أكثر من 70 في المئة من هذه الشركات ليست مهنية ولا متخصصة. بعضها لا يتجاوز رأسماله عشرة آلاف درهم، ومع ذلك يدبّر صفقات تصل إلى خمسة ملايين.
توظيف بلا تكوين، أجور هزيلة، واستغلال مباشر للمرضى عند أبواب المستشفيات. إنها صورة تُبرز كيف يمكن للهشاشة أن تُعاد إنتاجها داخل مؤسسة يُفترض أن تحمي المواطن في لحظة ضعفه.
لكن البُعد الأهم في خطاب التهراوي لم يكن تقنياً فحسب؛ بل حمل رسالة سياسية واضحة إلى زميله في الحكومة، وزير الإدماج الاقتصادي والتشغيل، يونس السكوري.
فغياب الرقابة على هذه الشركات يدخل في صميم اختصاص وزارته، غير أن الجهاز الرقابي اكتفى بما يشبه “التجميل الخارجي” بدل فرض معايير شفافة وملزمة.
وهكذا وجد وزير الصحة نفسه في موقع من يفضح العجز الحكومي المركب، حيث يلتقي ضعف المراقبة مع غياب المساءلة.
ما يثير الانتباه أن هذه الاختلالات لا تقتصر على الحراسة فقط، بل تمتد إلى مجالات النظافة والاستقبال وتدبير النفايات الطبية، وهي قطاعات استراتيجية تتعلق مباشرة بسلامة المريض.
هنا يصبح السؤال أعمق: هل يتعلق الأمر بمجرد ثغرات في دفاتر التحملات، أم أننا أمام نموذج ممنهج يسمح لمقاولات صورية بأن تسيطر على خدمات أساسية مقابل أرباح ضخمة وبلا التزام بمعايير الجودة؟
إن تصريحات التهراوي تضع الحكومة أمام امتحان سياسي حقيقي: هل تستطيع تحويل الاعتراف إلى مسار إصلاحي يتجاوز “تقنية التدبير” نحو مساءلة واضحة للفاعلين، أم أن الأمر سيظل مجرد حلقة أخرى في مسلسل التصريحات التي تنطفئ بانطفاء ضوء البرلمان؟
الرسالة المركزية التي التقطها الرأي العام أن صحة المواطن المغربي لم تعد فقط ضحية ضعف الميزانية، بل أصبحت أيضاً ضحية هشاشة مؤسساتية جعلت من المستشفى فضاءً لتنازع الصفقات أكثر مما هو فضاء للعلاج.
