في لحظة سياسية واجتماعية فارقة، بادرت الصحافية المغربية سناء رحيمي إلى ممارسة ما يُفترض أن يكون جوهر مهنة الإعلام: البحث عن موقف رسمي من الحكومة في خضم أزمة تهز الشارع وتفرض على السلطة أقصى درجات الوضوح.
غير أن المفاجأة كانت صادمة: اتصالات متكررة بجميع الوزراء، دون أن يجيب أحد.

ما قد يبدو في الظاهر تفصيلاً عابراً، يكشف في العمق خللاً بنيوياً في ممارسة السلطة.
فحين يغيب صوت الوزير في وقت الأزمات، يتحول الصمت من مجرد موقف شخصي إلى فضيحة سياسية تعكس استعلاءً على المجتمع وازدراءً لحقه في المعرفة.
إنّ امتناع الحكومة عن التواصل ليس مجرد تجاهل للصحافة، بل هو رفض غير معلن لمبدأ المساءلة ذاته.

في التجارب الديمقراطية الراسخة، من لندن إلى أوتاوا، يُجبر الوزراء على الظهور أمام الإعلام بشكل يومي حين تشتد الأزمات، ويُعتبر التهرّب من الإجابة جريمة سياسية قد تُسقط حكومات بكاملها.
أما في الحالة المغربية، فإن مشهد هواتف الوزراء المغلقة يرمز إلى أزمة أعمق: سلطة تُتقن لغة الدعاية الانتخابية، لكنها تفشل في أول اختبار حقيقي للشفافية.

الأمر لا يتعلق بانشغال بروتوكولي أو بانتظار تعليمات، بل بعقلية تختزل ممارسة الحكم في احتكار القرار واحتقار التواصل.
وهو منطق يهدد ما تبقى من الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. فإذا كان الوزير يرفض أن يرد على سؤال صحافية، فبأي شرعية سيواجه أسئلة شعب بأكمله؟

لقد تحوّل صمت الوزراء إلى علامة فارقة تكشف عن حكومة بلا صوت، بلا شجاعة، وبلا استعداد للوقوف أمام الرأي العام.
وهي رسالة سياسية بليغة، مفادها أن الأزمة لم تعد فقط في مضمون السياسات العمومية، بل في غياب ثقافة سياسية تُعلي من قيمة الشفافية والمحاسبة.

إنّ تجاهل سناء رحيمي لم يكن حادثة عابرة، بل جرس إنذار صاخب.
فالصمت في زمن الأزمات ليس حياداً ولا انضباطاً، بل اعتراف بالعجز. وحكومة تعجز عن الرد على مكالمة هاتفية، قد تعجز غداً عن الرد على شارع كامل.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version