الجدل الذي فجّرته عبارة الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، حين خاطب الصحافي نوفل العوالمة قائلاً:
“أسجّل أنك اليوم الناطق الرسمي باسمهم؟ باش عرفتي هادشي؟”
لم يعد مجرد سجالٍ عابر بين وزيرٍ وصحافي القضية اليوم تتجاوز حدود الأخلاق المهنية لتصل إلى سؤالٍ جوهري حول من يحمي كرامة المهنة عندما يأتي التجريح من موقع السلطة.
ما قاله بايتاس أمام ملايين المغاربة يُعتبر، في نظر عدد من القانونيين، مساساً معنوياً بسمعة الصحافي ومكانته المهنية.
فالقانون المغربي، بموجب المواد 84 إلى 89 من قانون الصحافة والنشر، يجرّم كل تصريحٍ يمسّ الشرف أو الاعتبار المهني لأيّ صحافي أثناء مزاولة عمله.
ولأنّ الوزير يمثل السلطة التنفيذية، فإنّ مسؤولية كلمته مضاعفة، وأثرها لا يتوقف عند حدود الموقف الشخصي، بل يمتدّ إلى صورة الحكومة بأكملها.
اللحظة اليوم لحظة حاسمة. النقابة الوطنية للصحافة المغربية والمجلس الوطني للصحافة مطالبان بتحمّل مسؤوليتهما القانونية والأخلاقية. فالصمت لم يعد خياراً.
المطلوب تحرّك رسمي رفع دعوى مدنية أو تقديم شكاية مهنية ضد الناطق الرسمي باسم الحكومة بتهمة المسّ بالاعتبار المهني، طبقاً للقانون. القضية لا تتعلق بشخص الصحافي وحده، بل بكرامة المهنة ككل. إنّ ترك هذا النوع من التصريحات يمرّ دون مساءلة يُضعف المؤسسات المهنية ويُشجّع على التطاول على الصحافيين كلما ضاق أفق الحوار.
المطالبة بتحرك قانوني ليست رغبة في الانتقام، بل دفاعٌ عن مبدأ دستوري يربط بين المسؤولية والمحاسبة. النقابة والمجلس الوطني يملكان أدواتٍ مؤسساتية كفيلة بردّ الاعتبار، من توجيه ملف قانوني إلى رئاسة الحكومة يطالب باعتذارٍ رسمي، إلى مراسلة النيابة العامة حول الضرر المعنوي اللاحق بالمهنة، أو اللجوء إلى القضاء المدني وفق الإجراءات المنصوص عليها في قانون الصحافة والنشر.
هذه الخطوات ليست رمزية؛ بل تعني أن الصحافة في المغرب ليست بلا درع، وأنّ كرامة الصحافي توازي كرامة الكلمة التي يكتبها.
السكوت النقابي أمام تطاولٍ من هذا النوع يُفرغ الحديث عن حرية الصحافة من محتواه فالقانون بلا ممارسة مجرد نصّ جامد، والمجلس الوطني، الذي وُجد لحماية أخلاقيات المهنة، مدعوّ إلى التحرك السريع ليس دفاعاً عن شخصٍ بعينه، بل عن مبدأٍ يمسّ الثقة العامة في التواصل الحكومي.
حادثة بايتاس ليست أزمة لغة، بل اختبار دولة المؤسسات، إمّا أن تتصرّف النقابة والمجلس الوطني للصحافة بما يليق بكرامة المهنة، وإمّا أن يترسّخ شعورٌ عام بأنّ الصحافي في المغرب بلا حماية.
احترام الكلمة ليس مطلباً سياسياً، بل شرطٌ لهيبة الدولة، ومن يهاجم السؤال، إنما يعلن عجزه عن الجواب.
