يبدو أن الحكومة المغربية ما زالت تتعامل مع موجة الغضب الشعبي وكأنها “ضجيج شبابي عابر”، لا رسالة مجتمعٍ أنهكه الانتظار وتعب من الوعود.
الوزير يتحدث عن التواصل، بينما الناس يتحدثون عن الكرامة والمعيشة والعدالة.
الفجوة لم تعد رقمية ولا جيلية، بل سياسية عميقة: حكومة تتحدث بلغة العلاقات العامة، وشعب يردّ بلغة الواقع القاسي.
كلما خرج مسؤول لتبرير الأزمة، ازداد اقتناع المغاربة أن المشكلة ليست في الخطاب، بل في من يُلقيه.
فالمغاربة لا يبحثون عمّن يسمعهم، بل عمّن يفهمهم وهذه، للأسف، مهارة نادرة في هذه الحكومة.
حين يصبح “سوء التواصل” تبريراً رسمياً للفشل، فهذا يعني أن الدولة لم تعد تملك شجاعة النظر في المرآة.
الأزمة لم تبدأ على “ديسكورد”، ولم تشتعل في “تيك توك”، بل تفجّرت في عقول وقلوب الناس حين شعروا أن من يسير شؤونهم يعيش في كوكبٍ آخر.
خرج المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، عبر قناة “ميدي 1” ليتحدث بنبرة الواثق، معلناً استعداده لمحاورة شباب “جيل زيد”، وكأن الحوار وحده كفيل بإطفاء النار.
لكن ما لم يدركه الوزير أن الاحتجاج لم يعد حكراً على جيلٍ بعينه، بل صار لسان حال مجتمعٍ بأكمله ضاق ذرعاً بغلاء المعيشة وانكماش الأمل.
الوزير اعترف بأن التواصل الحكومي ضعيف، لكنه نسي أن المشكل ليس في من يشرح، بل في ما يُشرح.
فالناس لا يطالبون بخطابٍ جديد، بل بسياساتٍ جديدة.
الحكومة تردّ على الغضب بالميكروفون، بينما المواطن يردّ بفاتورة الماء والكهرباء، وبسلةٍ خضراء فارغة.
منذ توليها، تصرّ حكومة عزيز أخنوش على اختزال الأزمة في “سوء الفهم”، وكأن الشعب لم يفهم بعدُ كم هي عظيمة إنجازاتهم.
لكن الحقيقة أن الشعب فهم أكثر مما ينبغي: فهم أن من يحكمه لا يعيش واقعه، وأن لغة “المنجزات الرقمية” لا تشتري خبزاً ولا تدفع كراء.
أما محاولات “فتح الإعلام العمومي” لتدارك الموقف، فهي أشبه بمحاولة إنقاذ مركبٍ غارق بدلو ماء.
فالإعلام الرسمي لم يعد ساحةً للنقاش، بل منصةً لتجميل الخسائر.
وكل ظهورٍ تلفزيوني لوزيرٍ اليوم يزيد منسوب الغضب بدلاً من تهدئته، لأن الناس سئموا من لغة التبرير وملّوا من التذكير بوعودٍ لا تُنفَّذ.
الحكومة تتحدث عن “التواصل” وكأنها وكالة إشهار، لا سلطة تنفيذية مسؤولة عن مصير ملايين المواطنين.
الوزراء يظنون أن المشكلة في الصورة، بينما الخلل في الواقع نفسه.
فالحوار لا يُبنى فوق أزمة ثقة، ولا يُدار من فوق المنابر، بل من قلب الشارع ومنصات الناس التي اختاروها بأنفسهم.
اليوم، لم يعد الغضب مجرّد “صخب شبابي” كما تصفه الحكومة.
إنه وعي سياسي جديد يتجاوز الأجيال، يتحدث بلغة واحدة تقول: “كفى من الاستخفاف بعقولنا.”
الغضب لم يعد يُعبّر عنه بالصور الساخرة ولا بالتغريدات، بل بالوعي بأن الدولة لا يمكن أن تُدار بعقلية الشركة ولا تُسكت بخطاباتٍ معلّبة.
على الحكومة أن تدرك أن الاحتجاج ليس خطراً، بل مؤشراً على أن الناس ما زالوا يطالبون بالأمل.
أما الخطر الحقيقي، فهو حين يصمت الشارع.
فيا معالي الوزير، قبل أن تبحثوا عن طريقةٍ للتواصل مع الشباب، ابحثوا عن سبب انقطاع الاتصال بالشعب.
وحين تجيبون عن ذلك بصدق، لن تحتاجوا إلى وساطةٍ إعلامية، لأن الثقة لا تُبثّ… بل تُبنى.
