برزت من جديد إشكالية الإعلام العمومي في المغرب، لكن هذه المرة من نافذةٍ غريبة: بدل أن يُسائل الصحافيون السلطة عن فشلها في التواصل مع الشارع الغاضب، وجدنا بعض المواقع الإلكترونية تُحاكم المذيعة سناء رحيمي لأنها “قاطعت ضيوفها” أو “لم تُحسن إدارة النقاش” في برنامجٍ خاص على القناة الثانية.
هكذا ببساطة، تحوّل النقاش من جوهر الأزمة إلى ديكور البلاطو.
في عزّ مرحلة سياسية دقيقة، حيث الشارع يغلي والأسئلة حول العدالة الاجتماعية والكرامة تعلو، خرجت “دوزيم” ببرنامج خاص حول الأحداث الجارية.
مبادرةٌ كان يمكن أن تُحسب للإعلام العمومي لو أنها اقتربت من نبض الواقع، لكنها تحولت بسرعة إلى درسٍ في كيفيّة تلميع الصورة لا في كيفية طرح الأسئلة.
القناة استدعت أسماء وازنة، من بينها وسيط المملكة حسن طارق، لكنها وضعتهم داخل قالبٍ محكوم سلفاً بسقفٍ لا يُزعج أحداً.
المشكلة لم تكن في رحيمي وحدها كما حاول بعض المواقع الإيحاء، بل في منظومة إعلامية اعتادت أن تضع “المكياج السياسي” على وجه السلطة كلما اهتزّت الثقة بينها وبين الناس. المقالات التي خرجت بعد الحلقة لم تطرح سؤال الاستقلالية أو المهنية، بل اكتفت بالحديث عن “ضعف التقديم” و”الحاجة إلى تجديد الوجوه”، وكأن المشكلة في المذيعين لا في الخط التحريري.
هذه التقنية قديمة: ننتقد التفاصيل الصغيرة لنُخفي الخراب الكبير.
نلوم الواجهة حتى نحمي الجدار.
نُهاجم المذيعة لنُنقذ القناة، ونُلمّع القناة لنُرضي الحكومة.
الإعلام العمومي، حين يتهرب من مواجهة الأسئلة الحقيقية، يصبح جزءاً من الأزمة لا وسيلةً لحلّها.
فالتجديد لا يعني استبدال مذيعة بأخرى، بل تحرير الكلمة من الخوف، والخط التحريري من التعليمات.
أما المقالات التي تتبرع بتوزيع الملاحظات الشكلية على الصحافيات، فهي لا تساهم في إصلاح الإعلام، بل في تجميل رقابةٍ أنيقة تُدار بابتسامة.
