تبدو الحكومة المغربية هذه الأيام منشغلة بتقنين كل شيء: الأسعار، الدعم، الوظائف… وحتى الأحلام.
لكنّ ما أثار الجدل أخيرًا هو دفاع الناطق الرسمي باسمها، مصطفى بايتاس، عن قرار تسقيف سنّ الولوج إلى مهنة التعليم في ثلاثين سنة، في وقتٍ يعيش فيه الشباب أقصى درجات الإحباط من انسداد الأفق.

قال بايتاس في برنامج “نقطة إلى السطر” إن “الإدارة تعتمد على حاجياتها الخاصة من بعض التخصصات، وإن النقاش حول السن لا يمكن فصله عن الوضع العام لسوق الشغل”.
كلامٌ مرتب، أنيق، محسوب… لكنه بارد حدّ التجمد، فالشباب لا يناقشون فلسفة السوق، بل حقهم البسيط في بابٍ مفتوح لا يُغلق قبل أن يطرقوه.

وذكّر الوزير المغاربة بأنه هو نفسه لجأ يومًا إلى التعليم بسبب ظروفه الاجتماعية.
وهنا يبرز السؤال الذي يُحرق السبورة قبل أن تُكتب عليه الجملة الأولى:
هل نسي بايتاس أنه كان معلّمًا؟
من ذاق مرارة الحاجة ووجد في الطباشير كرامة مؤقتة، لا يليق به أن يُحوّل التجربة إلى تبرير للإقصاء.

إنها مفارقة مغربية بامتياز: المعلّم السابق يُدرّس الجيل الجديد فلسفة الإقصاء.
يتحدث عن “تشجيع روح المبادرة” كمن يقول للشباب: اصنعوا قاربكم، فالدولة أغلقت الميناء.
يتغنّى بـ”الفرص الجديدة” في الوقت الذي يُضيّق فيه الباب أمام آخر وظائف الاستقرار.

لقد كان التعليم آخر ملجأ للطبقة المتوسطة، وها هو اليوم يتحوّل إلى رفاهيةٍ مشروطة بالسنّ والصدفة.
أما الوزير، فقد استبدل سبورته القديمة بميكروفونٍ يُدرّس منه درسًا جديدًا في “فنّ التبرير”.
درس عنوانه العريض: الجيل الجديد لا يحتاج إلى معلمين، بل إلى من لا ينسى أنه كان واحدًا منهم.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version