بقلم: عبد الفتاح الحيداوي

مداخلة محمد حقيقي، نائب رئيس الرابطة العالمية للحقوق والحريات، شكّلت لحظةً فكرية وحقوقية لافتة في النقاش حول مسار العدالة الانتقالية بالمغرب.

لم يكن حديثه مجرّد استرجاعٍ لذكرياتٍ من الماضي، بل مساءلةٌ جريئة لمسارٍ لم يكتمل، وقراءةٌ عميقة لتجربةٍ توقفت عند منتصف الطريق.

يتحدث محمد حقيقي من موقعٍ مزدوج يجمع بين التجربة الشخصية والمعرفة المؤسسية؛ فقد ذاق مرارة الاعتقال خلال سنوات الرصاص، ثم ساهم لاحقًا داخل هيئة الإنصاف والمصالحة في بناء معالم مشروعٍ وطني للعدالة الانتقالية.

تجربةٌ جعلته يرى الصورة من جهتيها: وجه الضحية التي تنتظر الإنصاف، ووجه الدولة التي وعدت بالمصالحة ثم توقفت عند العتبة الأولى.

المداخلة أبرزت أن مسار الإنصاف والمصالحة لم يُنتج القطيعة المنشودة مع الماضي، بل أعاد إنتاجه بأساليبٍ أكثر نعومة.

فمنذ مطلع الألفية الثالثة، عادت الانتهاكات الجسيمة تحت غطاء قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003، لتفتح صفحةً جديدة من الاعتقال التعسفي والتعذيب، وتعيد إلى الأذهان أجواء ما كان يُفترض أنه طُوي إلى الأبد. وضعت هيئة الإنصاف والمصالحة ضماناتٍ لعدم التكرار، لكن غياب الإرادة السياسية جعلها توصياتٍ بلا روح.

الخطاب حمل اتساعًا أخلاقيًا وإنسانيًا لافتًا، إذ رفض حقيقي حصر العدالة الانتقالية في ضحايا اليسار، مذكّرًا بأن ضحايا ما بعد 2003 من التيار الإسلامي عاشوا بدورهم انتهاكاتٍ جسيمة تستحق الاعتراف والإنصاف.

بهذا الموقف، دعا إلى تجاوز الانتماءات الإيديولوجية نحو مفهومٍ كوني للحق والكرامة، حيث لا تُقاس العدالة بالانتماء بل بالإنسانية ذاتها.

دعوته إلى تأسيس جبهةٍ وطنية موحّدة تُعيد إحياء روح المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف جاءت كصرخة وعيٍ أكثر منها نداءً تنظيميًا.

جبهةٌ تحمل همّ جبر الضرر برؤيةٍ حقوقية شاملة، وتكون مخاطبًا حقيقيًا للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، كي يستعيد جوهر رسالته بعد أن ابتعد عن ملفات الانتهاكات الجسيمة وانشغل بالقضايا الهامشية.

من خلال مداخلته، بدا أن نائب رئيس الرابطة العالمية للحقوق والحريات لا يدعو إلى تكرار التجربة، بل إلى تصحيحها.

المرحلة الراهنة، كما يرى، تحتاج إلى عدالة انتقالية ثانية تُنصف من لم تشملهم الأولى، وتحوّل الإنصاف من شعارٍ سياسي إلى ممارسةٍ مؤسساتية.

فالإنصاف ليس تعويضًا ماليًا، بل استعادةٌ للكرامة، والمحاسبة ليست انتقامًا، بل شرطٌ لبناء الثقة في الدولة.

ذكّر حقيقي بأن الاستقرار الوطني لا يُبنى على النسيان، بل على المصالحة الصادقة، فالمغرب مقبل على محطاتٍ كبرى، من انتخابات 2026 إلى استضافة كأس العالم 2030، وكلها تستدعي مناخًا من الطمأنينة والثقة، لا ذاكرةً مثقلة بالظلم، العدالة ليست ترفًا سياسيًا، بل ضرورة لبقاء الدولة في سلامٍ مع نفسها.

خطابه لم يكن صرخة غضب، بل دعوةٌ إلى وعيٍ جديد بالإنصاف. كلماته أعادت طرح السؤال الجوهري الذي يتهرّب منه الفاعل الرسمي والمجتمع معًا:
هل تصالح المغرب مع أبنائه، أم اكتفى بالتصالح مع صورته أمام العالم؟

https://crashsiyasi.com/wp-content/uploads/2025/10/WhatsApp-Video-2025-10-08-at-09.37.34.mp4
شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version