تبدو الحكومة المغربية وكأنها تشرح للمغاربة ما يعرفونه سلفاً.
ففي زمنٍ أصبحت فيه لغة الشارع أوضح من بيانات الوزراء، خرج مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، ليؤكد أن السلطة “التقطت رسالة المحتجين”، وأنها تعمل على “تسريع الأوراش الكبرى” في الصحة والتعليم والشغل.
لكن جوهر الإشكال لا يكمن في بطء الأوراش، بل في بطء الوعي بأن الأزمة لم تعد تقنية، بل سياسية وأخلاقية في أصلها.
يصرّ بايتاس على أن الحكومة حققت “منجزاً كبيراً”، مستشهداً برقمٍ لافت: 49 مليار درهم ستُرصد للحوار الاجتماعي في أفق سنة 2027، مع رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين متوسط دخل الموظفين.
غير أنّ الأرقام، مهما كانت لامعة، تفقد معناها حين تُقاس بميزان الواقع: مدارس بلا تعليم، ومستشفيات بلا شفاء، وشباب بلا أفق.
وحين يقول الناطق الرسمي إن الحكومة “استمعت للشباب”، لكنه ينتظر “الطرف الآخر” ليبدأ الحوار، فإنه يُلخّص مأزق السلطة في جملة واحدة: سوء فهمٍ عميق لجيلٍ وُلد رقمياً ويتحدث بلغةٍ لا تُترجمها البيروقراطية.
جيلٌ لا يطلب موعداً للحوار، بل اعترافاً بأن الواقع لم يعد يحتمل الزخرف اللفظي ولا الوعود المؤجلة.
ما لم تدركه الحكومة بعد، هو أن “جيل زد” لا يبحث عن امتيازاتٍ ظرفية، بل عن معنىٍ يعيد الثقة بين المواطن والدولة.
ذلك أن الغضب، حين يكتسب وعياً، لا يُسكت بالتصريحات ولا يُدار بالندوات.
لأن ما فُقد في النهاية لم يكن مجرد الثقة… بل الإحساس بأن الوطن ما زال يسمع حقاً، لا يكتفي بتسجيل الصوت لتصنيفه في الأرشيف.
