منذ لحظة تعيينه مديرًا عامًا للاستثمار ومناخ الأعمال، وجد الغالي الصقلي نفسه في قلب واحدة من أكثر القضايا غموضًا في المشهد الاقتصادي المغربي: الدعم العمومي الموجَّه للمصحات الخاصة تحت عنوان “تشجيع الاستثمار الصحي”.

ملفٌّ بدا في البداية إجراءً إداريًا بسيطًا، قبل أن يتحوّل إلى سؤالٍ سياسي كبير: من صرف الأموال؟ من استفاد منها؟ وأين اختفى أثرها بين وزارتي الاستثمار والصحة؟

تعيين الغالي الصقلي على رأس المديرية العامة للاستثمار ومناخ الأعمال، بقرارٍ من مجلس الحكومة برئاسة عزيز أخنوش، لم يكن مجرد حركةٍ في دواليب الإدارة، بل جاء في سياقٍ اقتصادي محتقنٍ تتقاطع فيه الأرقام بالمصالح، وتتصاعد فيه أصوات المطالبين بالشفافية بعد تواتر الحديث عن “مليارات الدعم للمصحات الخاصة” التي لم تصل إلى وجهتها.

الوزير رشيد التهراوي أعلن بوضوح أن الدعم الحكومي للمصحات قد توقّف، مشيرًا إلى أن القطاع الصحي الخاص “استفاد بما فيه الكفاية”.

غير أن الجمعيات المهنية الممثِّلة للمصحات سارعت إلى نفي تلقيها أي دعمٍ مالي، لتنشأ المفارقة: إذا لم يُصرف الدعم، فلماذا أُعلن عنه؟ وإن صُرف، فلماذا لا يظهر أثره في الميدان؟

المعطيات المتداولة تشير إلى أن وزارة الاستثمار، عبر مديريتها العامة التي يرأسها الصقلي، كانت الجهة التقنية المكلفة بتتبع ملفات الدعم للمشاريع الصحية ضمن ميثاق الاستثمار الجديد.

لكن مع تراجع وزارة الصحة عن المساهمة في التمويل، وغياب أي بلاغٍ من وزارة المالية، تحوّل الملف إلى صندوقٍ أسود لا يُعرف من يملكه ولا من يتحكّم في مفاتيحه.

فمن الجهة التي صادقت على الصرف؟ وأين توقفت المساطر؟ وكم بلغت الاعتمادات التي أُدرجت فعليًا في قانون المالية؟

أسئلةٌ كثيرة، والرجل الوحيد القادر على تقديم الأجوبة هو الغالي الصقلي نفسه، باعتباره المسؤول عن التنسيق بين القطاعات الحكومية ومراقبة مسار الدعم الاستثماري منذ المصادقة إلى التنفيذ.

في خلفية المشهد يبرز اسم فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلّف بالميزانية، باعتباره المشرف الفعلي على تنفيذ الاعتمادات المالية ومراقبة النفقات العمومية.

فالمبالغ التي أُدرجت في إطار “تحفيز الاستثمار الصحي” تجاوزت مئات الملايين من الدراهم، لكنها لم تظهر لا في حسابات المصحات ولا في تقارير وزارة المالية.

لقجع، المعروف بدقته في تتبع المال العام، لم يُصدر أي توضيح حول مصير تلك الاعتمادات، ما جعل الرأي العام يطرح السؤال المؤرق: هل صُرفت الأموال فعلًا؟ وإن لم تُصرف، فأين جُمِّدت؟

الغالي الصقلي ليس غريبًا عن هذا الملف.

فمنذ أن كان مستشارًا للوزير محسن الجزولي، ساهم في صياغة ميثاق الاستثمار الجديد، وهو اليوم أحد منفّذيه.

لكن انتقاله من موقع المستشار إلى موقع المسؤول يجعله اليوم مطالبًا بموقفٍ علنيٍّ واضح: الشفافية ليست ترفًا، بل واجبًا.

فمناخ الأعمال لا يُبنى بالأوراق الرسمية، بل بثقة المستثمرين والمواطنين على السواء، وهي الثقة التي لا تُستعاد إلا عبر لغةٍ واحدة: لغة الأرقام والحقائق.

ينتظر الرأي العام والمستثمرون أن يخرج الصقلي ببلاغٍ رسميٍّ يضع النقاط على الحروف: كم مشروعًا تم دعمه؟ كم بلغ إجمالي الاستثمارات المصادق عليها؟ وما مصير البرامج الاجتماعية التي رُوّج لها كرموزٍ للعدالة الاقتصادية؟

استمرار الغموض لن يضر الصقلي وحده، بل سيُضعف صورة الحكومة ويحوّل ميثاق الاستثمار إلى شعارٍ بلا مضمون.

المغاربة لا يبحثون عن اتهامات، بل عن وضوح.

يريدون أن يعرفوا أين ذهبت أموالهم، ومن استفاد منها، ومن يملك الجرأة لقول الحقيقة.

فالمال العام ليس سرًا إداريًا، بل أمانة وطنية.

الغالي الصقلي، والوزير رشيد التهراوي، والوزير المنتدب فوزي لقجع، مطالبون بخروجٍ مشتركٍ للرأي العام لتوضيح الصورة، لأن الغموض في الاستثمار يقتل الثقة، والسكوت عن المال العام يقتل المصداقية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version