الولاية الرابعة لم تعد احتمالًا تنظيميًا داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بل تحوّلت إلى خطٍّ أحمر أشعل فتيل التمرّد في صفوف شبيبته بالخارج.
من باريس، حيث كان الحزب يومًا رمزًا للهجرة المناضلة والضمير اليساري في المنفى، خرج فرع الشبيبة الاتحادية بفرنسا ببيانٍ ناري وصف المؤتمر الوطني المقبل بأنه «مسرحية تنظيمية بلا روحٍ ديمقراطية»، هدفها الوحيد كما جاء في نص النداء «تأمين ولايةٍ رابعةٍ للكاتب الأول في قطيعةٍ تامةٍ مع القيم التي تأسس عليها الاتحاد».

البيان، الذي تناقلته مصادر إعلامية، لم يكن مجرّد تذمّرٍ داخلي، بل صرخة جيلٍ شابٍّ يرى في استمرار القيادة الحالية اغتيالًا للأمل الاتحادي.
فهو لم يكتفِ بانتقاد المنهجية، بل أعلن القطيعة الكاملة مع ما سمّاه «الانحراف التاريخي لحزبٍ أصبح بدوره سلطةً منحرفة تُقصي أبناءها بدعوى المصلحة العليا».
لغةٌ حادّةٌ غير معهودة، حتى في فترات صراع الحزب مع السلطة، تكشف حجم الشرخ بين جيلين: جيلٍ عاش أمجاد المعارضة الوطنية، وجيلٍ وُلد في زمن اللامبالاة السياسية، يطالب بإحياء المعنى قبل الشعار.

شباب الاتحاد الاشتراكي يؤكدون أن الحزب الذي علّم المغاربة معنى مواجهة السلطة حين تنحرف، أصبح اليوم سلطةً بدوره، تُقصي وتُعاقب وتخنق الأصوات الحرّة.
كلماتهم جاءت صريحة: «صار الحزب رهينة الحسابات الشخصية والتمديدات العبثية».
ولأن التاريخ، كما قالوا، لا يرحم، فقد حمّلوا القيادة الحالية مسؤولية «تفكيك التنظيم واغتيال الأمل الاتحادي»، داعين إلى تأجيل المؤتمر الوطني وتشكيل لجنة تحضيرية وطنية تضم الكفاءات الاتحادية في الداخل والخارج، لإعادة صياغة المشروع الحزبي وفق رؤيةٍ جديدةٍ تنتمي إلى جيلٍ لا يرضى بالمساومة على المبادئ.

ورغم أن النداء بدا موجّهًا إلى الكاتب الأول إدريس لشكر، فإنه في العمق يعكس أزمة اليسار المغربي برمّته؛ أحزابٌ تاريخية فقدت زخمها الأخلاقي، وتنظيماتٌ تحوّلت إلى هياكل لغوية بلا مضمون، تتحدث عن الديمقراطية بلسانٍ لم يعد يؤمن بها.
لقد بلغ اليسار المغربي مرحلة الشيخوخة المؤسسية، بعدما فقد توازنه بين ذاكرة النضال ومقتضيات البقاء في مشهدٍ سياسيٍّ متحكَّمٍ في إيقاعه.

من باريس إلى الرباط، يتردّد الصدى واضحًا: الجيل الجديد لا يريد رُخَص الولاء ولا تبريرات التمديد، بل يريد حزبًا يُشبه بداياته… ضميرًا لا ديكورًا انتخابيًا.
وبين «ولايةٍ رابعة» يراها البعض استمرارية، وجيلٍ يراها «انتحارًا سياسيًا»، يبقى السؤال الأعمق:
هل ما زال هناك حزبٌ يُقاد… أم أننا أمام النهاية الرمزية لآخر ضمائر اليسار المغربي، حيث تهتزّ العروش لا بالسقوط، بل بثقل الصمت؟

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version