Morocco Between Suspended Integrity and Legalized Corruption: A Testimony from Civil Society
تعيش المملكة المغربية لحظةً فارقة في علاقتها بين القانون والعدالة؛
لحظةٌ تتكشّف فيها المسافة بين الخطاب الرسمي عن الشفافية، والواقع العملي الذي تُدار فيه منظومة الفساد بالأدوات نفسها التي يُفترض أن تحاصرها.
لقد تحوّل الفساد من انحرافٍ عرضيٍّ إلى نظام اشتغالٍ مؤسّسيّ، له قواعده غير المكتوبة، وامتداداته في السياسة والإدارة، وحصانته المبطّنة داخل النصوص ذاتها.
البيان الأخير الصادر عن الجمعية المغربية لحماية المال العام جاء كصرخةٍ في وجه هذا التناقض العميق.
الجمعية حذّرت من تفشّي الفساد بوصفه “ظاهرة نسقية وبنيوية”، متّهمةً الحكومة بأنها لا تحاربه بل تُقنّنه عبر تشريعاتٍ معيّنة، أبرزها المادتان 3 و7 من قانون المسطرة الجنائية، اللتان تفتحان عمليًا كما تقول الجمعية أبوابًا خلفيةً للإفلات من العقاب.
هذا الاتهام لا يوجَّه إلى حكومةٍ بعينها، بل إلى ثقافة حكمٍ كاملة رسّخت مبدأ التوازنات فوق مبدأ المساءلة.
فالقانون في المغرب يُمارَس أحيانًا كأداةٍ سياسيةٍ لتدبير التوازنات أكثر منه كوسيلةٍ لتحقيق العدالة،
والعدالة نفسها تُدار بعقلٍ إداريٍّ يخشى الاصطدام بمصالح النفوذ.
الجمعية اعتبرت أنّ تعطيل العدالة يشكّل الوجه الأكثر خطورةً للفساد، حين تتحوّل الملفات إلى مساراتٍ بلا نهاية، والأحكام إلى رموزٍ شكليةٍ بلا أثرٍ رادع.
العدالة التي يُفترض أن تكون درع المواطن أصبحت مرآةً تعكس اختلال الدولة.
وفي بلدٍ تتراكم فيه التقارير الرسمية عن الاختلاس والاختلال دون محاسبة، تتحوّل الشفافية إلى خطابٍ تجميليٍّ أكثر منها ممارسة مؤسسية حقيقية.
تقول الجمعية إنّ الفساد لا يهدّد المال العام فحسب، بل يُقوّض شروط التنمية والعدالة الاجتماعية.
فكلّ درهمٍ يُختلس من ميزانية الدولة يُقتطع من حقٍّ في التعليم أو الصحة أو الكرامة.
الفساد في المغرب، بهذا المعنى، ليس انحرافًا اقتصاديًا، بل مشروعٌ مضادٌّ للتنمية يخلق مجتمعًا غير متكافئ تُدار فيه الحقوق بمنطق الامتياز.
ولعلّ المفارقة الأشدّ دلالةً هي استهداف من يرفع صوته ضدّ الفساد بدل من يرتكبه.
رئيس الجمعية، محمد الغلوسي، يواجه شكاياتٍ كيدية بسبب نشاطه الحقوقي، في مشهدٍ يُلخّص المفارقة المغربية المؤلمة:
من يطالب بالمحاسبة يُحاكَم، ومن يعرقلها يُكرَّم.
البيان دعا إلى ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد، وإلى تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، وتفعيل قانون التصريح بالممتلكات، وإحالة التقارير الرقابية مباشرةً إلى القضاء.
لكنّ جوهر الرسالة أعمق من كل ذلك: إنها دعوة إلى استعادة المعنى الأخلاقي للدولة قبل أي إصلاحٍ قانوني،
وإلى إعادة بناء الثقة في فكرة العدالة كمبدأٍ تأسيسيٍّ لا كزينةٍ سياسية.
بين نزاهةٍ معلّقةٍ على الوعود وفسادٍ مُشرعنٍ بالنصوص، يقف المغرب أمام اختبارٍ مصيريٍّ لمستقبل دولته الحديثة:
إمّا أن يستعيد القانون معناه كأداةٍ للعدالة،
أو يواصل تجميل اختلالاته إلى أن يصبح الفساد قاعدةً تُدار بها المؤسسات وتُبرَّر بها السياسات.
في المغرب، لا يُكتب الفساد في الهوامش… بل في فصول القانون.
رسالة الجمعية تتجاوز الحدود الوطنية، لأنها تطرح سؤالًا يهمّ كلّ ديمقراطيةٍ ناشئة:
كيف يمكن تحقيق العدالة في ظلّ قانونٍ يخاف من نفسه؟
