The New Political Parties Law… Democratic Modernization or Political Control with an Investment License?
تتقدّم الدولة بخطوةٍ جديدة في مسار إعادة هندسة المشهد الحزبي، عبر مشروع قانونٍ تنظيمي يُعيد تعريف شروط التأسيس والتمويل والمراقبة، ويمنح الحياة السياسية شكلاً أكثر انضباطًا تحت شعار الشفافية والتحديث.
غير أن هذا المشروع، الذي يعدّل القانون رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، يثير أسئلةً جوهرية حول فلسفته العميقة: هل نحن أمام إصلاحٍ ديمقراطيٍ فعلي، أم أمام ضبطٍ سياسيٍّ بأدواتٍ قانونيةٍ متقنة الصياغة؟
كشفت مصادر إعلامية أن النص الجديد يُدخل تعديلاتٍ تمسّ جوهر الممارسة الحزبية، من تأسيس التنظيمات إلى تدبير مواردها المالية، في مشهدٍ يعكس رغبة الدولة في إعادة ترتيب الحقل السياسي من الأعلى إلى الأسفل.
وتبدو التفاصيل التقنية، على دقّتها، أشبه بخريطة طريقٍ جديدة للتحكّم في إيقاع اللعبة الحزبية، لا مجرّد تقنينٍ إداريٍّ عابر.
يشترط المشروع أن يتكوّن كل حزب من اثني عشر عضوًا مؤسسًا يمثلون الجهات المغربية الاثنتي عشرة بنسبةٍ لا تقل عن خمسة في المائة من مجموع الأعضاء، مع إلزامهم بتقديم ألفي توقيعٍ موثّق وسجلات عدلية وانتخابية حديثة.
لغة القانون تبدو صلبة ومنضبطة، لكنها في العمق تُغلِق الباب أمام المبادرات السياسية الناشئة، وتُبقي الحقل محصورًا بين التنظيمات التي تملك المال والشبكات الجاهزة.
يسمح النص للأحزاب بإنشاء شركاتٍ استثمارية في مجالات الإعلام والنشر والطباعة والخدمات التواصلية، في سابقةٍ تشريعية تُعيد تعريف العلاقة بين المال والسياسة.
هي خطوة تُقدَّم بوصفها طريقًا نحو “الاستقلال المالي”، لكنها تفتح أيضًا بابًا لتطبيع التداخل بين النفوذ الاقتصادي والتموقع الحزبي، حيث تُختزل الفكرة في منتوجٍ انتخابي، ويتحوّل الحزب إلى مؤسسةٍ تجاريةٍ تحسب الأرباح قبل المواقف.
ويربط المشروع الدعم العمومي بمعايير دقيقة: تغطية ثلث الدوائر الانتخابية، وعقد المؤتمرات الوطنية بانتظام، وتزكية الشباب والنساء وأفراد الجالية.
ورغم أن ذلك يعكس إرادةً إصلاحية في الشكل، فإنه يكرّس في الجوهر منطق “التسيير المحسوب”، حيث تُصبح المشاركة السياسية امتيازًا مرخَّصًا، لا حقًا ديمقراطيًا مفتوحًا.
منح المشروع المجلس الأعلى للحسابات سلطاتٍ واسعة لتدقيق حسابات الأحزاب ومتابعة التجاوزات واسترجاع الدعم غير المبرّر.
هي خطوة تحمل ملامح النزاهة المالية، لكنها تُكرّس أيضًا وصاية مؤسساتية صارمة تجعل من الحزب كيانًا يُدار بالمحاسبة لا بالمبادرة، وبالخوف من العقوبة أكثر من السعي إلى الإقناع.
تبدو النصوص جديدة، لكن الفلسفة قديمة: انضباطٌ أكثر، حريةٌ أقل، وواجهةٌ حزبية أكثر لمعانًا بميزانيةٍ أكبر من إرادة الإصلاح.
إنها ديمقراطيةٌ مُدارة بعقلية التدبير العمومي، تُحدّد من يتكلّم، ومتى، وكيف، وبأي ميزانية.
القانون الجديد ليس مجرد وثيقةٍ لتنظيم الحياة الحزبية، بل مرآةٌ دقيقة لمرحلةٍ سياسيةٍ تُعيد رسم التوازن بين الدولة والفاعل الحزبي.
هو مشروعٌ يحوّل السياسة إلى ممارسةٍ مرخّصة، والتمويل إلى بطاقة عبورٍ نحو الشرعية، والمحاسبة إلى أداةٍ للانضباط أكثر مما هي ضمانةٌ للشفافية.
هكذا تُكتب فصول الديمقراطية المغربية الجديدة: أنيقةٌ في الصياغة، دقيقةٌ في الضبط، ومحسوبةُ الأنفاس حتى آخر فاصلة.
