When the economy fails to be ethical… justice goes searching for its lost faith

لماذا لا يكون المغرب مثل ماليزيا… حين تصير الضريبة عبئًا والزكاة فرصة ضائعة؟

في المغرب، كل شيء يُخضع للتقنين… حتى الأمل.
القانون المالي يتدخل في الأسعار، في الأجور، في الدعم، بل حتى في طريقة موت الشركات الصغيرة.
لكن حين يتعلق الأمر بالزكاة، يُترك الباب مفتوحًا للنية، كأنها مسألة وجدانية لا مالية.
والنتيجة: تضخمٌ في الضرائب، وتقلصٌ في العدالة.

الضريبة في فلسفتها الأصلية عقدٌ بين المواطن والدولة: يدفع هذا مقابل خدماتٍ عامة تضمن كرامته وحقوقه.
لكن في المغرب، تحوّلت الضريبة إلى آلية جباية لا آلية تنمية، وإلى موردٍ لتوازن الميزانية لا لتوازن المجتمع.

نظامٌ ضريبيٌّ يعاقب الطبقة المتوسطة ويُكافئ الامتيازات الكبرى، فـأكثر من 70% من المداخيل الجبائية تأتي من الضرائب غير المباشرة، أي من جيوب الفقراء الذين يدفعون ثمن القهوة والبنزين والسكر أكثر مما يدفعه أصحاب الشركات في ضريبة الثروة.

الشركات الكبرى، التي تُعلن أرباحًا بمليارات الدراهم، تحصل على إعفاءاتٍ تحت عناوين “تشجيع الاستثمار” و“دعم المقاولات المواطِنة”، حتى صار الاستثمار في المغرب بابًا للتهرب المشروع، والضريبة بابًا للفقر المقنّن.

في ماليزيا، لم يخافوا من الفكرة حوّلوا الزكاة إلى مؤسسة مالية موازية للضريبة، تُدار برقمنة دقيقة وشفافية تُنشر للعموم، وتحوّل أموال الزكاة إلى مشاريع اجتماعية واستثمارية تولّد فرص عمل.
كل مواطن يدفع زكاته إلى هيئة رسمية، ويُمنح تخفيضًا ضريبيًا مساويًا لما أدّاه في الزكاة.

النظام المالي هناك لا يُعاقب على التقوى، بل يُكافئها.

أما في المغرب، فمجرد الحديث عن تنظيم الزكاة يُعامل وكأنه مشروع “إسلامي سياسي” أو محاولة للمزايدة الدي_نية، كأن الفقر لا يحتاج إلى علاجٍ إلا إذا ورد في مذكرةٍ من صندوق النقد الدولي.

وزارة المالية تتقن الحسابات، لكنها لا تتقن العدالة. تُحدث لجانًا ومجالس، وتُعلن إصلاحاتٍ جبائية كبرى، لكنها دائمًا تبدأ من الأعلى وتنتهي دون أن تمسّ البنية العميقة للظلم الضريبي.

مشروع “الإصلاح الجبائي الشامل” الذي بُشّر به منذ مناظرة الصخيرات سنة 2019، تحوّل إلى شعاراتٍ بلا ترجمة: نظامٌ لا يُفرّق بين شركة صغيرة بالكاد تتنفس، ومجموعة احتكارية تملك نصف السوق.
وفي الوقت الذي تُرفع فيه نسب الضرائب على المهن الحرة والتجار، تتقلص الضرائب على الرساميل الكبرى، وكأن العدالة الجبائية وُجدت فقط في النصوص الدستورية لا في كشوفات الأداء.

الزكاة ليست بديلًا دي_نيًا للضريبة، بل هي تصحيحٌ أخلاقي لاقتصادٍ بلا ضمير.
فهي تخلق علاقة مباشرة بين المال والمجتمع، وتُعيد توزيع الثروة وفق معايير إنسانية لا حسابات انتخابية.

تخيل لو أن المغرب أنشأ صندوقًا وطنيًا للزكاة تُودع فيه مساهمات الشركات والأفراد طوعًا، ويُدار بشفافية مطلقة، ويُخصص للفقراء والغارمين والمناطق القروية التي لا تصلها التنمية، وللشباب الذين يملكون أفكارًا ولا يملكون ضمانات بنكية.
النتيجة ستكون اقتصادًا أكثر توازنًا، ومجتمعًا أكثر ثقة، ودولةً أقل احتياجًا إلى الاقتراض.

في المغرب، الدولة لا تجمع الزكاة، لكنها لا تنسى الضريبة.
تُحاسب المواطن على كل درهمٍ يتحرك، لكنها لا تُحاسِب نفسها على الملايير التي تتبخر في الصفقات.
كأن العدالة المالية قانونٌ يُطبَّق فقط من الأسفل إلى الأعلى.

الزكاة، في منطق الدين، تُطهِّر المال، والضريبة، في منطق الدولة، تُطهِّر الميزانية،
لكن من يُطهِّر الدولة نفسها من جشعها المالي؟ الدولة تقول للمواطن: “أدِّ واجبك الجبائي”،
لكنها لا تقول: “وأنا أؤدي واجبي في الشفافية”.
تُطالب الفقير بفاتورة الخبز، ولا تطلب من الغني كشف حسابه في الجنة الجبائية.

لو جُمعت الزكاة بعقل الدولة، لربح الفقير كرامته، وربحت الدولة احترامه.
لكن الدولة تخاف من الزكاة لأنها لا تعرف كيف تتحكم في المال الذي لا يُسرق باسم القانون.
الزكاة شفافة، والضريبة غامضة، والشفافية هي الكلمة التي تُرعب البيروقراطية أكثر من الفقر نفسه.

بين الزكاة التي تُطهّر، والضريبة التي تُرهق،
يبقى المواطن هو الذي يدفع الفاتورة مرتين:
مرة باسم الإيمان، ومرة باسم القانون.

المغرب لا يحتاج أن يكون “دولة إسلامية”، بل أن يكون دولة عادلة.
الضريبة اليوم تُمَوّل العجز أكثر مما تُمَوّل العدالة،
والزكاة لو أُديرت بعقل الدولة لا بخوفها قد تُعيد للدين معناه، وللثروة معناها، وللمواطن احترامه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version