From Cheese to Tomatoes to Soft Drinks… Who Really Oversees What We Eat?
من “الفرماج” الذي يدخل كل بيت، إلى “الطماطم” التي تعبر القارات، وصولاً إلى المشروبات الغازية التي تُباع في كل زاوية… تتكشف اليوم سلسلةٌ من الفضائح الغذائية التي تهز ثقة المستهلك في كل مكان، وتضع سؤالًا بسيطًا أمام الحكومات: من يحمي ما نأكله فعلاً؟
كشفت مصادر إعلامية أن شركة كوكاكولا أعلنت مجددًا عن سحب آلاف العلب من “كوكاكولا” و“كوكاكولا زيرو” و“سبرايت” في ولاية تكساس الأمريكية، بعد اكتشاف محتملٍ لجسيماتٍ معدنية داخل العبوات، يوم 24 أكتوبر 2025، وفق ما نقلته قناة CBS Texas.
وصنّفت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية هذا الاستدعاء ضمن الفئة الثانية، ما يعني أن التعرض لهذه المنتجات قد يؤدي إلى آثار صحية مؤقتة أو قابلة للعلاج.
وأكدت الشركة أن جميع المنتجات المسحوبة أُزيلت من الأسواق، وأن “سلامة المستهلكين تبقى أولوية مطلقة”، وهي العبارة التي تتكرّر مع كل أزمة، دون أن تُعيد الثقة المفقودة في سلاسل التصنيع الكبرى.
وحسب مصادر إعلامية أن هذا الحادث ليس الأول من نوعه، إذ سبقه في يناير الماضي سحب مشروبات كوكاكولا في أوروبا بعد اكتشاف مستويات مرتفعة من مادة الكلوريت، وهي مركّب كيميائي قد يسبب اضطرابات في الغدة الدرقية، خصوصًا عند الأطفال، حسب تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية.
وشمل الاستدعاء أسواق بلجيكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وهولندا ولوكسمبورغ، حيث تم سحب منتجات “كوكاكولا”، و“فانتا”، و“سبرايت”، و“ميترو مايد”، و“تروبيكو”.
ورغم تأكيد الشركة أن “المخاطر الصحية منخفضة جدًا”، فإن تكرار حوادث التلوث والاستدعاء بات يشكّل جرس إنذارٍ حول هشاشة منظومة المراقبة وجودة المواد المستخدمة في التصنيع.
و في الولايات المتحدة قد تواجه شركة كوكاكولا دعاوى قضائية بتهمة “التضليل التجاري”، بعد أن رُوِّج لبعض منتجاتها، مثل “سبرايت” و“فانتا”، على أنها تحتوي على نكهاتٍ طبيعية 100٪، بينما أظهرت التحاليل أنها تضم مكوناتٍ اصطناعية، بحسب وكالة Top Class Actions الأمريكية.
القضية، وفق نفس المصادر، لا تتعلق فقط بالإعلانات، بل بمنظومة كاملةٍ من التلاعب بالمصطلحات التجارية التي تُخفي خلفها مواد كيميائية مضافة، وتكشف عن حدود الشفافية في قطاعٍ يتحكم فيه منطق التسويق أكثر من منطق الصحة العامة.
كشفت مصادر بيئية أن منظمة غرينبيس نشرت في فبراير 2025 تقريرًا حادًا حول سياسات كوكاكولا البيئية، اتهمت فيه الشركة بأنها تواصل استخدام الزجاجات البلاستيكية القابلة للرمي رغم تعهدها بالتحول نحو إعادة الاستخدام.
وقالت الناشطة البيئية ليزا رامسدن إن مادة PET المستخدمة في هذه الزجاجات تحتوي على مركباتٍ ترتبط بالسرطان واضطرابات هرمونية، معتبرة أن “الشركة تبيع الراحة السريعة وتترك الكلفة الباهظة على البيئة والمستهلك”.
في المغرب، حيث تشكل المشروبات الغازية والحلويات ومنتجات الألبان جزءًا من العادات الغذائية اليومية، تطرح هذه الوقائع أسئلةً محرجة حول فعالية الرقابة المحلية على المنتجات المستوردة والمحلية على السواء.
من “الطماطم” التي أثارت جدلاً في باريس إلى المشروبات الغازية العالمية، المشهد واحد: رقابةٌ متقطعة، ومؤسساتٌ تفتقر إلى الإمكانات المخبرية، ومستهلكٌ يثق بما هو مكتوب على العلبة أكثر مما يعرفه عن محتواها.
وفي ظل غياب مختبر وطني مستقل قادر على تحليل العينات الغذائية في الوقت الفعلي، يبقى الاعتماد على بلاغات الشركات نفسها، وهو ما يُضعف مبدأ الحياد العلمي في حماية المستهلك المغربي.
إن غياب الشفافية في سلاسل الإنتاج والغذاء لا يهدد صحة الفرد فقط، بل يضرب في العمق فكرة “الأمن الغذائي الوطني” التي يتغنّى بها المسؤولون.
فكيف يمكن الحديث عن دولةٍ اجتماعيةٍ إن لم يكن المواطن يعرف ما يأكل ويشرب؟
ما يجري ليس خطأ مصنعٍ أو سهوَ عاملٍ، بل نتيجةُ فلسفةٍ اقتصاديةٍ تجعل الربح أولاً والجودة لاحقاً.
فالشركات المتعددة الجنسيات تحاسبها الأسواق لا الضمائر، وتغسل صورتها بحملاتٍ إعلانيةٍ عن “الاستدامة” و“المسؤولية الاجتماعية” أكثر مما تنظف منتجاتها من الشوائب.
ولعل السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم، ليس فقط من يراقب كوكاكولا، بل من يراقب الرقابة نفسها؟
من يضمن ألا تنتقل الجسيمات المعدنية أو المواد الكيميائية من مصانع تكساس أو بروكسل إلى موائد الدار البيضاء؟
من الفرماج إلى الطماطم إلى الحلويات، القاسم المشترك واحد: عولمة بلا ضوابط، وسوق بلا ضمير.
وما لم تتحوّل الرقابة من ردّ فعلٍ بعد الكارثة إلى نظامٍ استباقيٍّ صارم، سيظل المستهلك المغربي الضحية الأولى في معادلةٍ غير متكافئة بين حقوق الإنسان وحقوق العلامة التجارية.
فالمائدة التي كانت رمزًا للضيافة، صارت اليوم ميدانًا لصراعٍ بين الاقتصاد والصحة، وبين الحقيقة والإشهار.
