Fatima-Zahra Mansouri Turns Housing Policy into a Statistical Illusion
الأرقام في المغرب لا تسكن الناس، بل تُسكن الخطاب.
حين قدّمت فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، حصيلة برنامج الدعم السكني أمام البرلمان، بدت كمن تبني قصرًا من بيانات: 71 ألف مستفيد، 47% نساء، 45% شباب، و24% من الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
لغةٌ محكمة الصياغة، مدروسة الإيقاع، ومشحونة بالأمل الإحصائي.
لكن خلف هذه البلاغة الحكومية يلوح سؤال واحد: هل يعيش المواطن فعلًا داخل هذه الأرقام؟
الوزيرة تعتبر أن البرنامج حقق “نتائج مهمة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي”، لكن تحت مجهر الواقع يبدو الدعم موجهًا لمن يملك لا لمن يحتاج.
فمن يستطيع أصلًا شراء سكنٍ ليحصل على دعمٍ بقيمة 70 أو 100 ألف درهم؟
في الدار البيضاء، حيث يتجاوز ثمن المتر المربع 15 ألف درهم، هذا الدعم لا يفتح بابًا، بل بالكاد يطلي جدارًا.
المنصوري قدّمت خطابًا منسجمًا مع رؤية الحكومة النيوليبرالية: دعم السوق باسم العدالة الاجتماعية.
تتحدث عن “عدالة مجالية”، لكنها لا تذكر أن الولوج إلى العقار أصبح ترفًا طبقيًا، وأن الشباب والطبقة المتوسطة غادروا حلم الملكية نحو كراءٍ طويل الأمد بلا أفق.
من منظورها، يُقاس النجاح بارتفاع مبيعات الإسمنت بـ12.5%، وزيادة القروض العقارية بـ3%، واستثمارات المنعشين العقاريين بـ7.58%.
لكن هذه المؤشرات تنعش الحسابات البنكية لا الحقوق الاجتماعية.
إنه نموٌّ في الهامش المالي، لا في الكرامة.
فحين ترتفع أرباح المنعشين دون أن ينخفض ثمن المتر المربع، نكون أمام سياسة سكن بلا عدالة، وعدالة بلا سكن.
المنصوري تحدثت بفخر عن 135 تصميمًا قرويًا و3144 دوارًا مبرمجًا على مساحة 99 ألف هكتار.
لكن هذه الأرقام ما تزال على الورق، في انتظار أن تصلها طرقٌ معبّدة وشبكات ماء وكهرباء.
في القرى المغربية، وصل التعمير قبل أن تصل الحياة.
وحتى المراكز القروية “النموذجية” التي وعدت بها الوزيرة لم تتجاوز بعد طور النية الحسنة.
لغة الوزيرة تمزج بين الواقعية السياسية والدعاية الاقتصادية.
إنها تتقن عرض الأرقام كما لو كانت منتجًا استثماريًا لا سياسة اجتماعية.
لكن السياسة السكنية لا تُقاس بنسبة الإسمنت، بل بنسبة الكرامة.
وحين يتحول الحق في السكن إلى أداة لتجميل الميزانية، يصبح الوطن مشروعًا عمرانياً فاقد الروح.
برنامج المنصوري لا يفتقد الرؤية التقنية، بل الجرأة على الاعتراف بالفجوة بين الإحصاء والواقع.
فالمغرب لا يحتاج إلى “سكنٍ مدعوم”، بل إلى دولةٍ تسكن المواطن لا تستثمر فيه.
حين تُبنى المدن بلغة المحاسبين، تُهدم قيم العدالة من الداخل.
وحين يصبح الفقراء “فئةً مستهدفة”، تتحول العدالة المجالية إلى شعارٍ هندسيٍّ بلا مضمون.
في النهاية، المنصوري قدّمت معمارًا من الأرقام… لكنه بلا ساكن.
فالأرقام لا تنام على البلاط، ولا تدفع أقساط القروض، ولا تنتظر الضوء في دواوير بلا كهرباء.
وحتى أجمل التصاميم تفشل حين يكون الواقع هو الخرسانة الوحيدة التي لا تجفّ.
