بقلم: نعيم بوسلهام

اعتمد مجلس الأمن الدولي، مساء أمس، قرارًا وُصف بالتاريخي، يشكّل نقطة تحول نوعية في مسار تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

القرار لم يكن مجرد بيان أممي عابر، بل تتويج لمسار دبلوماسي طويل أعاد تموضع المغرب في قلب الشرعية الدولية، إذ أكد المجلس دعمه الكامل للأمين العام للأمم المتحدة ولمبعوثه الشخصي في تيسير المفاوضات،

استنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي كأرضية واقعية وعملية للوصول إلى حل سياسي دائم وعادل ومتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة.

11 دولة من أصل 15 عضواً في المجلس صوّتت لصالح القرار، من بينها القوى الكبرى صاحبة الثقل الدولي: الولايات المتحدة الأمريكية (صاحبة القلم)، فرنسا، بريطانيا، اليونان، بنما، وكوريا الجنوبية.

في المقابل، امتنعت ثلاث دول عن التصويت الصين وروسيا وباكستان فيما غابت دولة واحدة عن الجلسة وهي الجزائر (صاحبة فكرة إلقاء الحجر داخل الحداء). مشهد تصويتي يكشف بوضوح اتجاه موازين القوى في الساحة الدولية نحو الاعتراف المتزايد بوجاهة المبادرة المغربية وواقعية مقترح الحكم الذاتي كإطار نهائي للحل.

من الصحراء إلى الديموقراطية: الامتحان الحقيقي يبدأ الآن

لكنّ هذا الانتصار الدبلوماسي، مهما كان مدوّياً، لا يجب أن يُسكرنا بنشوة الظفر، ولا أن يحجب عنا أن القضية دخلت منعطفًا حاسمًا ربما هو الأكثر جدّية منذ عقود.

فالمغرب اليوم، بعد أن حاز قبول المجتمع الدولي بمبادرته، بات مطالبًا بتقديم عرضه مفصلاً ومدقّقًا، ليس فقط في ما يخص البنية المؤسساتية للحكم الذاتي، بل أيضًا في ما يتعلق بضماناته الدستورية والسياسية ومرتكزاته الديمقراطية.

ذلك أن قبول العالم بمبدأ الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لا يعني نهاية المعركة، بل بدايتها من الداخل. إنها بداية معركة الديموقراطية والجهوية العميقة، أي معركة ترجمة هذا المكسب الخارجي إلى تحول مؤسساتي حقيقي يقطع مع المركزية الصمّاء ويفتح أفق “مغرب الجهقوية الموسعة”.

الكرة في مرمانا

اليوم، الكرة في الملعب المغربي. لقد قدّم لنا العالم فرصة تاريخية نادرة، فهل سنخطئ الموعد مع التاريخ؟ إن الرسوب في امتحان الديموقراطية قد يحوّل هذا القبول الدولي إلى ألغام داخلية، كما حدث في تجارب دول أخرى عرفت انفصالاً مؤلماً بين قبول العالم بالحكم الذاتي وبين فشلها في ترسيخ الديمقراطية الداخلية.

بالمقابل، نجحت تجارب دولية أخرى حين جمعت بين الحكم الذاتي الحقيقي وبين دولة وطنية ديمقراطية تؤمن بتعددها ووحدة ترابها في الآن ذاته.

مغرب الجهات أم مغرب المركز؟

القرار الأممي اليوم ليس فقط انتصارًا دبلوماسيًا للمغرب، بل امتحانًا سياسيًا للدولة والمجتمع.
فإما أن نحول مكسب الاعتراف الدولي إلى فرصة لتشييد مغرب الجهات الديمقراطية،
وإما أن نعيد إنتاج المركزية التي كانت دائمًا نواة الأزمات.

وما بين الاختيارين، يتحدد ما إذا كنا فعلاً نعيش لحظة ميلاد جديدة لقضية الصحراء… أم لحظة بداية اختبارٍ عسيرٍ أمام التاريخ.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version