From Bensaïd’s Appointment to Ahrar’s Success — An Administrative Plot with a Cultural Direction
خطوة واحدة كانت كافية لتفجير جدلٍ واسعٍ في الوسط الثقافي المغربي. أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة – عن نتائج مباراة توظيف أستاذ محاضر من الدرجة “أ” في تخصص “الدراسات السينمائية” بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي (ISADAC)، فكان الاسم الوحيد في اللائحة الرسمية هو لطيفة أحرار، المديرة الحالية للمعهد نفسه منذ دجنبر 2022.
الخبر الذي بدا في ظاهره إعلانًا إداريًا بسيطًا تحوّل إلى مسرحية وطنية تُعرض على شاشة الرأي العام: مديرة تُوظَّف أستاذةً داخل المؤسسة التي تديرها، بعد أسابيع فقط من حصولها على شهادة الدكتوراه.
بين 27 ماي و5 يوليوز و27 أكتوبر 2025، انقلب التقويم إلى حبكةٍ مسرحيةٍ مثالية: المباراة أُعلنت قبل الدكتوراه، والنجاح جاء بعدها، في نفس المؤسسة وبنفس التوقيع.
ثلاث محطات تختصر القصة كلها: 27 ماي 2025 إعلان المباراة، 5 يوليوز 2025 حصول لطيفة أحرار على الدكتوراه في المسرح والفيلم الوثائقي، و27 أكتوبر 2025 إعلان نجاحها في المباراة ذاتها داخل المعهد الذي تُديره.
مفارقة زمنية أثارت أسئلة تتجاوز حدود الفن إلى عمق القانون: كيف يُمكن أن تُعلن مباراة قبل أن تحصل المترشحة على الشهادة المطلوبة؟ وأي معنى لتكافؤ الفرص إذا كانت النتيجة معروفة قبل إسدال الستار؟
لطيفة أحرار، المولودة في مكناس سنة 1971، فنانة مغربية راكمت تجربةً مسرحية وسينمائية غنية. تخرّجت من المعهد نفسه سنة 1995، وتولت تدريسه قبل أن تُعيَّن مديرة له في دجنبر 2022.
تعيينها حينها لم يكن عاديًا، فقد جاء بمقترحٍ مباشر من الوزير المهدي بنسعيد ومصادقة مجلس الحكومة، وهو ما كان يُقدَّم كتكريمٍ لمسارٍ فنيٍّ لامع.
غير أن مرور الوقت كشف أن ذلك القرار نفسه صار اليوم علامة استفهام كبيرة في سجلّ التدبير الثقافي بالمغرب. فحين يُعيَّن شخصٌ مديرًا لمؤسسةٍ ثم يُنجَح في مباراةٍ داخلها، تصبح العلاقة بين الفن والسلطة الإدارية موضع شكٍّ لا يمكن تجاوزه.
القانون الإطار رقم 51.18 المنظم للتوظيف العمومي يُلزم الإدارات بنشر الإعلانات ولوائح المترشحين لضمان الشفافية.
غير أن وزارة الثقافة لم تُصدر أي إعلان رسمي بخصوص هذه المباراة، ولم تُنشر لوائح المرشحين لا في بوابة التشغيل العمومي ولا على موقعها الإلكتروني.
غياب الإعلان حوّل القضية من إجراءٍ إداري إلى فضيحةٍ في الإخراج: من كتب السيناريو؟ ومن وافق على العرض قبل أن تُضاء الأنوار؟
في خضم الجدل، برزت مفارقةٌ أخرى لا تقلّ غرابة: لطيفة أحرار، التي ستبلغ 54 عامًا منتصف نونبر المقبل، تم توظيفها في وقتٍ تُقصي فيه الدولة آلاف الشباب الحاصلين على الدكتوراه بحجة تجاوزهم سنّ 35.
فكيف تُغلق الدولة الباب في وجه شبابها بحجة “التشبيب”، ثم تفتحه استثناءً لمن تجاوزوا نصف قرن؟ هكذا يتحول “تشبيب الوظيفة العمومية” إلى شعارٍ جميل يُقال في الخطابات، لا في المراسيم.
الوزير المهدي بنسعيد، الذي قدّم اسمها لتولي إدارة المعهد، يجد نفسه اليوم أمام امتحانٍ أخلاقي وإداري معًا.
فالصمت الذي يطوّق وزارته لم يعد ترفًا سياسيًا، بل مسؤولية ثقيلة. ما يحدث داخل المؤسسات الثقافية ليس تفصيلاً هامشيًا، بل مرآة لطريقة اشتغال الدولة في ملفات الشفافية وتكافؤ الفرص.
وبين الإعجاب بالكفاءات والسكوت عن الاستثناءات، يضيع المعنى الحقيقي للإصلاح الثقافي الذي وُعد به المغاربة.
دول عديدة كانت ستتعامل مع المشهد بمنطقٍ مختلف تمامًا. في فرنسا، استقالت وزيرة الثقافة أوريلي فيليبيتي سنة 2014 احتجاجًا على تدخلات سياسية في التعيينات، قائلة إن “الثقافة لا تُدار بالمحاباة”.
وفي إيطاليا، غادر الوزير داريو فرانشيسكيني مؤقتًا منصبه بعد جدلٍ حول تعيينٍ غير قانوني داخل متحفٍ وطني.
وفي بريطانيا، يكفي أن يُتهم وزير بتأثيرٍ غير مشروع في لجنة فنية ليغادر الحكومة خلال 24 ساعة فقط. في مثل تلك الدول، كانت المديرة والوزير سيقدمان استقالتهما فور ظهور تضاربٍ في الأدوار أو غموضٍ في المساطر، احترامًا للرأي العام وحفاظًا على كرامة المؤسسات.
بينما في المغرب، تُعالج مثل هذه الوقائع بالسكوت، وتُقدَّم التبريرات بدل المراجعة، كأن الاستثناء قدرٌ ثقافيٌّ لا فكاك منه.
منصّات التواصل اشتعلت بهاشتاغات #تعيينلنفسها و#شفافيةالثقافة، وتعليقات جمعت بين السخرية والغضب: “المخرجة كتبت السيناريو، أدّت الدور، ووقّعت شهادة النجاح.” في المقابل، يعبّر فنانون وأساتذة عن قلقهم من أن تُلطَّخ سمعة المعهد الذي أنجب أجيالًا من المبدعين منذ تأسيسه سنة 1985.
حتى من كانوا يرون في أحرار رمزًا للحداثة الثقافية، وجدوا أنفسهم أمام سؤالٍ ثقيل: هل تحوّل المعهد إلى مؤسسة فنية… أم إلى إدارةٍ تُدار بعقلية المسرح الإداري؟
القضية لا تخص لطيفة أحرار وحدها، بل تمسّ جوهر العدالة الإدارية في المغرب. فما لم تُفتح الملفات بجرأةٍ وشفافية، سيظل “الاستثناء” هو النظام، و”التباري” هو التمثيل.
الثقافة ليست في الأفلام ولا في المسارح فقط، بل في أخلاقيات التسيير أيضًا.
من الخشبة إلى المكتب، ومن الإخراج الفني إلى الإخراج الإداري، تتكرّر القصة ذاتها: وجوه تتبدل، لكن النص واحد. فالدولة التي تكتب القوانين وتُمثّل عكسها، تتحوّل إلى راويةٍ بارعةٍ لحكايةٍ واحدة لا تتغيّر: الاستحقاق مؤجل… والشفافية في إجازةٍ مفتوحة.
